للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا كلامٌ واضح في الاكتفاء بالمعاصرة، فالإدراك البيِّن هو المعاصرة (١)

- فلما قال أبو حاتم الرازي: ((لم يدرك مكحولٌ شريحًا)) ، قال رشيد الدين العطار: ((لعل أبا حاتم أراد بقوله (لم يدرك) اللقاءَ والرؤية، وإن كان خلاف الظاهر)) . تحفة التحصيل (٥١٦) .

- ولما قال يحيى بن معين: ((عَمرو بن الأسود العنسي أدرك عمر)) ، قال أبو زرعة العراقي: ((ظاهره أنه لم يسمع منه)) ، تحفة التحصيل (٣٧٧) ، وقال ذلك لأنه حمل (أدرك) على المعاصرة، واكتفاء ابن معين بقوله عنه: عاصر عُمر، فيه إشارة إلى أنه لا يصح له فوق المعاصرة شيءٌ، وإلا لقال: (سمع) أو حتى (روى) .

الحقيقيّة الكافية لاحتمال السماع. فليس من الإدراك البيّنِ تَوَهُّمُ الإدراك (أي المعاصرة) مع عدم وقوعها في الحقيقة، وليس من الإدراك البيّنِ معاصرة الرواوي لمن روى عنه زمنًا غيرَ كافٍ لاحتمال السماع، إذ من وُلد سنة (١٠٣هـ) وإن كان معاصرًا لمن توفي سنة (١٠٠هـ) أو (٩٩) ونحوها، لكن هذه المعاصرة غير كافية لاحتمال السماع. وهذا هو سبب تقييد الداني للإدراك بوصفه أنه إدراكٌ بيّن، وليس في هذه العبارة إجمالٌ كما قال ابن رُشيد (٢) ، ولا هي قريبةٌ من شرط طول الصحبة الذي نُقل عن السمعاني كما يُلمح إليه سياق كلام ابن الصلاح في هذه المسألة (٣) .

وأقلّ ما يُقال في كلام الداني أن ظاهره على مذهب مسلم، وأنه ينقل الإجماعَ عليه. أمّا أنه مجمل، لا يظهر مقصوده منه: فهذا بعيدٌ جدًّا!


(١) الأصل في (الإدراك) عند إطلاقه في استخدامات أهل العلم: المعاصرة.
(٢) انظر الحاشية التي قبل السابقة.
(٣) علوم الحديث لابن الصلاح (٦٥- ٦٦) .

<<  <   >  >>