الثاني (وهو عندي الأوجهُ والأقوى) : أن الخطيبَ في الحقيقة ينقل الإجماعَ على ما نقل مسلمٌ عليه الإجماع سواء، وأنه لم يَقُم بذهن الخطيب اعتبارُ وُجُودِ خلافٍ في المسألةِ أصلاً. فجاء قولُه بعد ذلك ((إذا كان شيخه الذي ذكره يُعرف أنه قد أدرك الذي حدّث عنه ولقيه وسمع منه)) وصفًا كاشفًا لا قيدًا، وإنما جاء بيانًا لحال الغالب على عنعنات الرواة غير المدلِّسين.
كما لو قال قائل:((المشركون كلُّهم في النار بإجماع، إذا سجدوا لصنم وطافوا على وثن وذبحوا لحجر أو شجر)) . فإنه لا يكون هناك غرابةٌ في هذا التعبير، ولا هناك ما يدعوا إلى وقفةٍ من هذه الأوصاف. ويكون قوله:((إذا سجدوات. . وطافوا. . وذبحوا)) ليس قيدًا، ولا يفهمه أحدٌ أنه قيد. ولكنه خرج مخرج الغالب، ومن المقرَّر في الأصول: أنه لا يُحتجُّ بمفهوم المخالفة إذا خرج الكلام مخرج الغالب.
وبذلك نُضيفُ الخطيب إلى الناقلين الإجماعَ على ما نقل مسلمٌ عليه الإجماع، وإنما أخّرته هنا تلطُّفًا وتنزُّلاً، واكتفاءً ببعض الحجة عن جميعها.
فأمّا أن الخطيب على مذهب مسلم: فلا أحسب هناك من سيخالف في ذلك.
وأمّا أن الخطيب على مذهب البخاري: فليس هناك قول للخطيب يشهد له! فضلاً عن ادّعاء من ادعى أن الخطيب ينقل الإجماع على مذهب البخاري!! ليكون الخطيب -على رأي هذا المدّعي- قد ألغى مسلمًا ومن وافقه من الاعتبار!!!