لكن هناك دلائل بيّنةٌ عند أهل الحديث غير تلك الدلائل اليقينيّة، مثل بُعْدِ البلدان، أو إدخال الوسائط، ونحو ذلك من القرائن التي تشهد لعدم السماع وتُغلّبُ عدمَ حصوله.
فهل هذه الدلائل تَدْخُل في (الدلالة البيّنة) التي ذكرها مسلم؟
الظاهرُ والأصل دخولها فيها، لأنها داخلةٌ في معنى ما ذكره مسلم.
ويؤكد مراعاة مسلم لهذه القرائن أمور:
الأول: صريحُ كلامه، وذلك في قوله بعد ذكره (الدلالة البيّنة) :
((فأمّا والأمر مبهم، على الإمكان الذي فسّرنا، فالرواية على السماع أبدًا، حتى تكون الدلالة التي بيّنا)) .
فتأمّل قوله:((والأمر مبهم)) ، وما تدل عليه من أن الحكم بالاتّصال بين المتعاصرين إنما يقول به مسلم عندما لا تكون هناك مرجّحات وقرائن تميل بكفّة المسألة إلى عدم السماع، إذ لو كانت هناك مثل تلك المرجحات والقرائن لم تُوصفِ المسألةُ بأن الأمر (أي أمر الاتصال) فيها مبهمٌ.
ثم يؤكّد مسلمٌ أنه كان يراعي القرائن التي تحتفُّ برواية المتعاصرين، فإما أن تؤيدَ احتمال السماع أو أن تُضْعِف احتماله، وذلك في قوله:((أن كل إسنادٍ لحديثٍ فيه فلانٌ عن فلان، وقد أحاط العلمُ بأنهما قد كانا في عصر واحد، وجائزٌ أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به..)) .
فَتَنَبَّهْ إلى أنه ذكر المعاصرة، ثم أضاف إليها شرطًا آخر، وهو جواز السماع وإمكانه، وهو يعني عدم وجود قرائن تُبعد احتمال اللقاء.