إذن ما هو الدليل؟ هو باختصار: إعلالُ بعضِ الأحاديث بنفي العلم بالسماع أو اللقاء، كقول البخاري وغيره:((فلان لا أعرف له سماعًا من فلان)) ، أو ((فلان لم أجد له سماعًا من فلان)) ، أو ((لا يذكر سماعًا من فلان)) ، ونحو ذلك من العبارات.
وَوَجْهُ استدلالهم بذلك: أن الإعلال بنفي العلم بالسماع يدل على اشتراط العلم بالسماع، وإلا لم يكن لذلك الإعلال معنى.
هذه هي الحجة الوحيدة التي ذكرها العلماء، والتي دَلّ إيرادُهم لها عَرَضًا لغير أصل مسألتنا (كما سبق) ، أنهم يعتبرونها حُجّةً على صحّة نسبة ذلك الشرط إلى البخاري وغيره من أهل العلم.
ولم يذكر أحدٌ من أهل العلم علمتُهُ حُجّةً أخرى تنفع لتصحيح تلك النِّسبة، فليس لهم سواها.
ومن ادّعى وجود حُجّة غيره هذه، فَلْيُظْهِرْها لي.
أما وأنّ دليل نسبة اشتراط العلم بالسماع إلى البخاري هو ذلك الدليل وحدَه، فإن تصحيح هذه النسبة أو عدم تصحيحها منوطٌ بهذا الدليل وَحده أيضًا. فإن قام بالحُجّة: فالنسبة صحيحة، وإن لم يقم بالحُجّة: فالنسبة غير صحيحة، لأن القول العاري من الدليل عارٍ من أسباب القبول، ولا ترضاه العُقُول.
لذلك فإن مناقشة ذلك الدليل مهمّةٌ جدًّا، وهذا ما سأقوم به الآن:
لقد قام ذلك الدليل على أن إعلال البخاري وغيره للحديث بعدم العلم بالسماع يدل على اشتراط العلم بالسماع. وَوَجْهُ الاستدلال هذا