فالحديث المعنعن (وهو الحديث الذي يرويه الراوي عمن يروي عنه بلفظ: عن) ، قد نُقِل أن في شروط قبوله خلافًا، بسبب أن لفظ (عن) لا يدلّ على الاتّصال في اللغة، والاتصال -كما لا يخفى- أحد أهمّ أركان قبول وصحة المنقولات من الأحاديث والأثار.
وأوّلُ من أثار هذه المسألة هو الإمامُ مسلمٌ في مقدّمة صحيحه، عندما عقد لهذه المسألة فصلاً خاصًا في تلك المقدّمة. وذكر مسلمٌ في ذلك الفصل أن أحدَ الجَهَلَةِ الخاملي الذِّكْرِ قد عَرَض لشروط قبول الحديث المعنعن، مُضيفًا شرطًا زائدًا عمّا عليه أهلُ الحديث قاطبة، ألا وهو شَرْطُ: أن نَقِفَ على ما يدل على السماع واللقاء ولو مَرّةً واحدةً في حديث كُلِّ راويين متعاصِرَيْنِ. فشنّ عليه مسلمٌ لذلك غارةً شديدةً، مُبيّنًا أنه مخالفٌ للإجماع، وأن قوله هذا مبتدع مستحدث.
وبعد الإمام مسلم سكت العلماء عن إثارة هذا الخلاف، حتى جاء القاضي عياض (ت ٥٤٤هـ) ، فنسب ذلك الشرط الزائد، (الذي بدّعه مسلم ونقل الإجماع على خلافه) إلى الإمام البخاري وشيخه علي بن المديني وغيرهما.
ومن هنا تحوّلت المسألة تحوُّلاً خطيرًا، حيث تبنَّى ابنُ الصلاح (ت ٦٤٣هـ) الرأيَ المنسوب إلى البخاري. وتتابع العلماء على ذلك، حتى هذا العصر.
بل صَنّفَ أحدُ العلماء كتابًا منفردًا في ترجيح المذهب الذي نُسب إلى البخاري على مذهب مسلم، وهذا العالم هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد الفِهْرِي الشهير بابن رُشَيد السبتي
(ت ٧٢١هـ) ، وذلك في كتابه (السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن) .