فيا حبها زدني جوى كل ليلة ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر
فقال في الربط بين معناهما:"فإن قيل كيف ينتظم هذا البيت إلى ما قبله لأنه استدام الجوى في البيت الأول، ويذكر في هذا انقضاء ما بينهما قيل الأول على ما فسر صحيح، ولم يقل في الثاني انقضى احلب، ومعناه أن الدهر لم يزل يسعى في إفساد ألفتنا، فلما انقضى ما بيننا من جهة الدهر أي فرق بيننا سكن الدهر، فليس يسعى في إفساد ما بين محبين غيرنا".
ومثل ذلك ما ورد في بيتى عبد الله بن الزبير الأسدى وهما:
فإنك لو سمعت بكاد هند ورملة إذ تصكان الخدودا
سمعت بكاء باكية وباك أبام الدهر واحدها الفقيدا
فقد قال في معناهما:"من سمع هذين البيتين ولم يعرف المعنى قدر أن فيهما خطأ لأنه قال: لو سمعت بكاء هند ورملة وهما ارمأتان ثم قال: "سمعت بكاء باكية وباك" فجاء بأنثى وذكر وقال: "أبان الدهر واحدها الفقيدا" ولم يقل واحدهما، والمعنى، لو سمعت بكاد هند ورملة إذ يلطمان خدودهما سمعت بكاء باكية أبان الدهر واحدها، أي هما تنوحان معاً وتلطمان الخدود معاً لا تفتر إحداهما دون الأخرى، فيقدر أنهما باكية واحدة لاتصال أصواتهما وصحكهما، وعطف بقوله وباك على قول باكية أبان الدهر واحدها الفقيدا فكأنه قال: وباك كذلك".
والمصنف بجانب ما ذكرنا نراه يناقش موضع القطع في الأبواب فإذا جاءت القطع الشعرية مخالفة للحد المرسوم للباب الذي رويت فيه نبه إلى ذلك ودل عليه، ولقد سبق أن أشرنا إلى عمله هذا وعمل غيره من الشراح، فهو مثل غيره نراه يعترض على أبيات زيد بن الحكم الكلابي الواردة في الحماسية (٥٩) من باب