قَالَ الشَّيْخُ أَبو مُحَمَّدِ بْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا الْمَثَلُ ذَكَرَهُ الجوهري: شتى تؤُوبُ الحَلَبةُ، وغَيَّره ابنُ القَطَّاع، فَجَعَل بَدَلَ شَتَّى حَتَّى، ونَصَبَ بها تَؤُوب؛ قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَه الجَوْهريّ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبو عُبَيْدٍ والأَصْمعي، وَقَالَ: أَصْلُه أَنهم كَانُوا يُورِدُونَ إبلَهُم الشَّرِيعَةَ والحَوْضَ جَمِيعًا، فَإِذَا صَدَروا تَفَرَّقُوا إِلَى مَنازِلِهم، فحَلَب كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي أَهلِه عَلَى حِيالِه؛ وَهَذَا الْمَثَلُ ذَكَرَهُ أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ أَخلاقِ الناسِ فِي اجتِماعِهِم وافْتِراقِهم؛ وَمِثْلُهُ:
الناسُ إخوانٌ، وَشتَّى فِي الشِّيَمْ، ... وكلُّهُم يَجمَعُهم بَيْتُ الأَدَمْ
الأَزهري أَبو عُبَيْدٍ: حَلَبْتُ حَلَباً مثلُ طَلَبْتُ طَلَباً وهَرَبْتُ هَرَباً. والحَلُوبُ: مَا يُحْلَب؛ قَالَ كعبُ بنُ سَعْدٍ الغَنَوِيُّ يَرْثِي أَخاه:
يَبِيتُ النَّدَى، يَا أُمَّ عَمْروٍ، ضَجِيعَهُ، ... إِذَا لَمْ يَكُنْ، فِي المُنْقِياتِ، حَلُوبُ
حَلِيمٌ، إِذَا مَا الحِلْمُ زَيَّنَ أَهلَه، ... مَعَ الحِلْمِ، فِي عَيْنِ العَدُوِّ مَهيبُ
إِذَا مَا تَراءَاهُ الرجالُ تَحَفَّظُوا، ... فَلَمْ تَنْطِقِ العَوْراءَ، وهْوَ قَريب
المُنْقِياتُ: ذَواتُ النِقْيِ، وهُو الشَّحْمُ؛ يُقال: ناقةٌ مُنْقِيَةٌ، إِذَا كَانَتْ سَمينَةً، وَكَذَلِكَ الحَلُوبةُ وَإِنَّمَا جاءَ بالهاءِ لأَنك تريدُ الشيءَ الَّذِي يُحْلَبُ أَي الشيءَ الَّذِي اتَّخَذُوهُ ليَحْلُبوه، وَلَيْسَ لتكثيرِ الفعْلِ؛ وَكَذَلِكَ القولُ فِي الرَّكُوبةِ وَغَيْرِهَا. وناقةٌ حَلُوبَةٌ وحلوبٌ: لِلَّتِي تُحْلَبُ، والهاءُ أَكثر، لأَنها بِمَعْنَى مفعولةٍ. قَالَ ثَعْلَبٌ: نَاقَةٌ حَلوبة: مَحْلوبة؛ وَقَوْلُ صَخْرِ الْغَيِّ:
أَلا قُولَا لعَبْدِ الجَهْلِ: إنَّ ... الصَحيحة لَا تُحالِبُها التَّلُوثُ
أَراد: لَا تُصابِرُها عَلَى الحَلْبِ، وَهَذَا نادرٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إياكَ والحلوبَ
أَي ذاتَ اللَّبَنِ. يقالُ: ناقةٌ حلوبٌ أَي هِيَ مِمَّا يُحلَب؛ والحَلوبُ والحَلوبةُ سواءٌ؛ وَقِيلَ: الحلوبُ الاسمُ، والحَلُوبةُ الصِّفَةُ؛ وَقِيلَ: الْوَاحِدَةُ وَالْجَمَاعَةُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أُمِّ مَعْبَدٍ: وَلَا حَلوبَةَ فِي الْبَيْتِ
أَي شَاةَ تُحْلَبُ، ورجلٌ حلوبٌ حالِبٌ؛ وَكَذَلِكَ كلُّ فَعُول إِذَا كَانَ فِي مَعْنَى مفعولٍ، تثبُتُ فِيهِ الهاءُ، وَإِذَا كَانَ فِي مَعْنَى فاعِلٍ، لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ الهاءُ. وجمعُ الْحَلُوبَةِ حَلائِبُ وحُلُبٌ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: كلُّ فَعولةٍ مِنْ هَذَا الضَرْبِ مِنَ الأَسماء إِنْ شِئْتَ أَثْبَتَّ فِيهِ الهاءَ، وَإِنْ شئتَ حذَفْتَه. وحَلوبةُ الإِبلِ وَالْغَنَمِ: الواحدةُ فَما زادتْ؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَن يَجْعَلُ الحلوبَ وَاحِدَةً، وشاهدهُ بيتُ كعبِ بنِ سعدٍ الغَنَوي يَرثِي أَخاه:
إِذَا لَمْ يَكُنْ، فِي المُنْقِياتِ. حَلُوبُ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ جَمْعًا، وَشَاهِدُهُ قَوْلُ نَهِيكِ بنِ إسافٍ الأَنصاري:
تَقَسَّم جِيرَانِي حَلُوبي كأَنما، ... تَقَسَّمها ذُؤْبانُ زَوْرٍ ومَنْوَرِ
أَي تَقَسَّم جِيراني حَلائِبي؛ وزَوْرٌ ومَنْوَر: حَيَّانِ مِن أَعدائه؛ وَكَذَلِكَ الحَلُوبة تكونُ وَاحِدَةً وَجَمْعًا، فالحَلُوبة الْوَاحِدَةُ؛ شاهِدُه قَوْلُ الشَّاعِرِ: