ومع عظم عبادة التوكل على الله تعالى، وعلو مقامها عند الله؛ إلا أن كثيرًا من المسلمين غفلوا عنها، واعتمدوا على الأسباب المادية وحدها في تحقيق مطالبهم والسعي في تحصيل معايشهم؛ خاصة في هذا الزمن الذي طغت فيه المادة، وفشا فيه الألحاد بكل صوره ...
وقسم آخر من المسلمين ضلوا في هذا المقام، فظنوا أن التوكل لا يمكن تحقيقه إلا بترك الأسباب، واعتقدوا أن فعل الأسباب يناقض التوكل على الله تعالى وهذا ظاهر في كثير من المتصوفة، خاصة المتقدمين منهم ممن عاش في المائة الرابعة وهلم جرًّا.
ولذا كتب كثير من العلماء مؤلفات خاصة في مقام التوكل، منهم: الحافظ عبد الله بن محمد، ابن أبي الدنيا (ت ٢١٨ هـ) والشيخ أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (ت ٥٠٥ هـ) والإمام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (ت ٧٢٨ هـ) وغيرهم، رحمة الله عليهم.
ويضاف إليها كتاب: التوكل للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي، المتوفى سنة (٤٥٨ هـ) -رَحِمَهُ اللهُ-.
وقد وجدتُ - بحمد الله - نسخة خطية لهذا الكتاب، فاستعنتُ بالله على خدمته، دراسةً وتحقيقًا. وذلك للأسباب التالية:
١ - أهمية هذا الكتاب، فموضوعه في مقام من أهم مقامات العبودية لله تعالى؛ ألا وهو التوكل على الله جل وعلا، والذي ضل فيه كثير من المسلمين.
٢ - أن هذا الكتاب لا يزال مخطوطًا، وبتتبعي لفهارس الكتب المطبوعة،