«نزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكناً من إقامة الدِّين، فهو ظالم لنفسه، مرتكب حراماً بالإجماع، وبنص هذه الآية» .
وإن مما لا يشكُّ فيه العالم الفقيه، أن الآية بعمومها تدل على أكثر من الهجرة من بلاد الكفر، وقد صرَّح بذلك الإمام القرطبي، فقال في «تفسيره»(٥/٣٤٦) : «وفي هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يُعمل فيها بالمعاصي، وقال سعيد بن جبير: إذا عُمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها، وتلا:{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا} » .
وهذا الأثر رواه ابن أبي حاتم في «تفسيره»(٢/١٧٤/١) بسند صحيح عن سعيد، وأشار إليه الحافظ في «الفتح» ، فقال (٨/٢٦٣) : «واستنبط سعيد ابن جبير من هذه الآية وجوب الهجرة من الأرض التي يعمل فيها بالمعصية» .
وقد يظن بعض الجهلة من الخطباء والدكاترة والأساتذة، أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا هجرة بعد الفتح»(١) ناسخ للهجرة مطلقاً، وهو جهل فاضح بالكتاب
(١) متفق عليه، وهو مخرج في «الإرواء» (١٠٥٧) . (منه) .