انظر: «المدونة» (١/٣٧٨-٣٧٩) ، «التفريع» (١/٣٥٨) ، «الإشراف» (٣/٤٢١-٤٢٢ رقم ١٧٤١ - بتحقيقي) ، «الرسالة» (١٩٠) ، «المعونة» (١/٦٠٨) ، «أسهل المدارك» (٢/١٤) ، «قوانين الأحكام» (١٧١) ، «بداية المجتهد» (١/٣٩٨) ، «الذخيرة» (٣/٤٤١) ، «عقد الجواهر الثمينة» (١/٤٧٤) . وهذا مذهب الحنفية. انظر: «السير الكبير» (٤/١٢٧٩) ، «القدوري» (١١٤) ، «تحفة الفقهاء» (٣/٥٢٣) ، «بدائع الصنائع» (٩/٤٣٥٦) ، «البناية» (٥/٧٥٣) ، «فتح القدير» (٦/٣) ، «الاختيار» (٤/١٣٣) ، «تبيين الحقائق» (٣/٢٦٠) ، «البحر الرائق» (٥/١٠٢) ، «رؤوس المسائل» (٣٦٠) . بينما قال الشافعية: هو باق على ملك المسلم، وله أخذه منه بغير عوض. انظر: «مختصر المزني» (٢٧٣) ، «المهذب» (٢/٢٤٣) ، «المجموع» (٢١/٢١٨) ، «حلية العلماء» (٧/٦٦١) ، «روضة الطالبين» (١٠/٢٩٣، ٢٩٤، ٣٣٥) ، «مختصر الخلافيات» (٥/٥١ رقم ٣١٧) . وهذا مذهب الحنابلة. انظر: «مسائل أحمد» (٢٤٣) لأبي داود، «المغني» (١٣/١١٧، ١٢١) ، «الإنصاف» (٤/١٥٩) ، «تنقيح التحقيق» (٣/٣٤٢) ، «منتهى الإرادات» (١/ ٦٣٨-٦٤٠) ، «تقرير القواعد» (٣/٤١٢-٤١٤ - بتحقيقي) ، «ذيل طبقات الحنابلة» (١/١٢٠) . ... = = ووجهة نظر المالكية والحنفية أنّ للكفار شبهة ملك على ما حازوه من أموال المسلمين، يدل عليه قوله -تعالى-: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ} [الحشر: ٨] ، فسماهم فقراء بعد هجرتهم وتركهم ديارهم وأموالهم، ولأنه لا خلاف أنهم لو استهلكوه، ثم أسلموا، لم يضمنوه، ولو أتلفه مسلم على صاحبه للزمه غرمه، فدل ذلك على ثبوت شبهة الملك المشترك. فلا يجوز لعاقل -فضلاً عن طالب علم- أن يتّهم الحنفية والمالكية بـ (التفريط في بلاد المسلمين) ، وأنهم يقرّون (استيلاء اليهود على فلسطين) ، وما شابه من العبارات التي لا تصدر إلا عن (الموتورين) !! (المتعالمين) !! نعم، بلا شك أن الراجح مذهب الشافعية والحنابلة؛ لما أخرجه مسلم في «صحيحه» (رقم ١٦٤١) ، وأحمد في «مسنده» (٤/٤٣٠) -والمذكور لفظه- وغيرهما: «عن عمران بن حصين، قال: كانت العضباء لرجل من بني عقيل، وكانت من سوابق الحاج، فأسر الرجل وأخذت العضباء، فحبسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرحله، ثم إن المشركين أغاروا على سرح المدينة، وكانت العضباء فيه، وأسروا امرأة من المسلمين، فكانوا إذا نزلوا أراحوا إبلهم بأفنيتهم، فقامت المرأة ذات ليلة بعدما ناموا، فجعلت كلما أتت على بعير رغا، حتى أتت على العضباء، فأتت على ناقة ذلول فركبتها، ثم وجهتها قبل المدينة، ونذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة، وقيل: ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بنذرها، أو أتته فأخبرته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بئس ما جزتها إن الله أنجاها عليها لتنحرنها» ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا وفاء في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم» . فلو ملكها المشركون ما أخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبطل نذرها، وقد بحث هذه المسألة أستاذنا فتحي الدريني في كتابه «المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي» (١/٢٨٩-٢٩١) ، وردها على أصولها وبينها أحسن بيان، قال -حفظه الله-: «ولخطورة هذه المسألة، وأهميتها البالغة في كل من العلاقات الدولية والقانون الدولي العام، لا بد أن نقرر ما هو الحق فيها، مؤيداً بالأدلة، وبروح التشريع الإسلامي. إن منطق القوة لم يعهد في الشرع مزيلاً ليد محقَّة، ومقرراً ليد مبطلة، لأنه محض بغي وعدوان، وذلك بالبداهة لا يصلح سنداً للملكية؛ لكونه محرماً في الشريعة تحريماً قاطعاً. ولو أقر مبدأ العدوان هذا، لانخرم أصل الحق والعدل، ولاضطرب حبل الأمن في العالم كله، وما أنزلت الشرائع، وأرسل الرسل، إلا لاجتثاث أصول العدوان، ولإقرار= =الحق والعدل بين البشر؛ لقوله -تعالى-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: ٢٥] . وأيضاً؛ لو كان الاستيلاء القهري بقوة السلاح من قبل الأعداء وسيلة معترفاً بها شرعاً، لامتلاكهم أموال المسلمين، واستيطان ديارهم بعد إخراجهم منها، لما وجب الجهاد -في مثل هذه الحالة- فرضاً عينياً على كل قادر على حمل السلاح رجالاً ونساءً، بالإجماع، من أجل استرداد ما استولى عليه العدو عنوة! والله -تعالى- يقول: {وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: ١٩١] . [ونظير هذا في عصرنا الحاضر، استيلاء اليهود على الأراضي العربية، عدواناً وظلماً بعد إخراج أهلها منها. هذا والاستيلاء والأحراز، عهد طريقاً مكسباً للملكية الفردية في المبادلة، وذلك تشجيعاً للجهد الإنساني الفردي للانتفاع بما وجد في الطبيعة من خيرات واستثمارها، وذلك معقول؛ لأن من بذل جهداً فاجتنى مما وجد في الطبيعة من خير مباح لا مالك له، كان أولى من غيره بامتلاكه، ممن لم يبذل أدنى مشقة في هذا السبيل، وهذا أمر وراء استلاب الحقوق والثروات، واغتصاب الديار والأوطان بعد تشريد أهلها منها، بقوة السلاح] . وقد تضافرت نصوص القرآن الكريم على وجوب دفع العدوان قبل وقوعه بالجهاد بالأنفس والأموال، وعلى وجوب إزالته بعد الوقوع، ولم يعهد أنه سبيل لتملك الأعداء ديار المسلمين وأموالهم. قال -تعالى-: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] . وإذا حرم الإسلام على أهله الاعتداء، فأحرى أن يحرم عدوان غيرهم عليهم، ولا يجعله سبيلاً لامتلاك أموالهم وديارهم! وقال -تعالى-: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: ١٤١] . لا يقال: إن الآية تدل على أن الله -تعالى- لن يجعل للأعداء سبيلاً على نفوس المسلمين دون أموالهم؛ لأنا نقول: إن كلمة «سبيلاً» نكرة في سياق النفي، فتعم كل سبيل؛ سواء أكان واقعاً على نفوسهم، أو أموالهم، أو ديارهم. ولا يقال -كذلك-: إن الله لم يجعل للكافرين على المسلمين حجة؛ لأن الصيغة عامة فيجب إجراؤها على العموم -كما هو الأصل-، إذ لا دليل على التأويل أو التخصيص. = =انظر: «كشف الأسرار» (١/٦٨ وما بعدها) ، «التوضيح» (١/١٣١ وما بعدها) ، «أصول السرخسي» (١/٢٣٦) . كذلك لا يقال: إنه لو كانت أموال المسلمين باقية على ملكهم، رغم إخراجهم من ديارهم، لأطلق عليهم القرآن الكريم كلمة «أبناء السبيل» ؛ وهم: من انقطعت بهم صلتهم بأموالهم لبعدهم عنها، ولم يسمهم «فقراء» ؛ فدل ذلك على أنهم فقراء حقيقة، قد زالت ملكيتهم عنها؛ لأنا نقول: إن ابن السبيل؛ هو: «المسافر» الذي انقطعت به الطريق، ونفد ماله، وله طماعية في الرجوع إلى بلده، لتمكنه من ذلك، وهذا مفهوم يختلف عمن أُخرج من دياره وأمواله عنوة، وليس في وسعه أن يعود إليها، لذا صح اعتباره كأنه فقير، أضف إلى ذلك أنهم قد توطنوا بالمدينة. انظر: «كشف الأسرار» (١/٦٩) ، «حاشية الإزميري على المرآة» (٢/٧٦) . ووصفهم بكونهم فقراء مجازاً، لا يشعر بزوال ملكيتهم عن ديارهم وأموالهم، بل يفيد ثبوتها لهم، بقرينة إضافتها إليهم، ولأن في إطلاق هذه الكلمة عليهم، إثارة للتعطف الداعي إلى رعايتهم، وتدبير مصالحهم، والاهتمام بشؤونهم، تخفيفاً لوطأة الظلم عنهم، وتحقيقاً لما تقتضيه الأخوة نحوهم» . قلت: وانظر نصرة هذا الاختيار في «أحكام أهل الذمة» لابن القيم (١/٢٩١) ، وهو اختيار ابن حزم وابن تيمية، انظر: «الاختيارات الفقهية» (ص ٣١٢) ، «المحلى» (٧/٣٠١) ، «الفيء والغنيمة» (١٦١-١٦٥) ، «نصب الراية» (٣/٤٣٣-٤٣٥) ، «فتح الباري» (٦/ ١٨٣) . والشاهد من هذا: أن لازم المذهب ليس بلازم، ولا يجوز لصاحب الفهم السليم، والنفس المطمئنة، والعقل النيّر، أن يهجم على إلصاق (التُّهم) بـ (العلماء) ، وعدم مراعاة القواعد المعمول بها -قديماً وحديثاً- عند أهل العلم، وأن العالم إذا اتبع القواعد المسلوكة، وكان أهلاً فهو بين أجر واثنين، والموفق والسعيد من حفظ لسانه -ولا سيما في حق العلماء-، ومن حسّن الظن بالناس، ولا سيما الصلحاء، والله الموفق.