ثالثاً: إن لمعرفة هذه المصالح والمفاسد: تصوراً دقيقاً، وضبطاً وتحريراً وتقديراً، لا بد من الاستعانة بأهل الخبرة في هذا الباب، والعلماء المتخصصون في العلوم العسكرية يقررون: أن هذه العمليات بمثابة (وخز الدبوس) ، فهي لا تهزم عدواً، ولا تعمل على فنائه أو غلبته، بل هي تثوِّر أعصابه، وتغيّر مسار تخطيطاته، وتجعل عنده ردود فعل سريعة غير مضبوطة ولا مخطط لها، فضلاً عن (الروح المعنوية) التي تكون عند الجنود، ولذا؛ لا يجني ثمار هذه العمليات -من وجهة نظر عسكرية- إلا الجيش والعسكر الذي يحيط بالعدو، أما إفراد هذه العمليات دون جيوش ودساكر وعساكر، فإن فائدتها -أكثر ما تظهر- في التأديب العاجل، وشفاء الصدور من أهل الباطل، أما أن تُحَقِّقَ المقاصد الشرعية الأصلية المعتبرة من الحروب والجهاد، فلا، بل قد يترتب عليها أحياناً مضار أكثر منها، فهي من هذه الحيثية في هذه الحالة، تتنزل بين مرتبتين، وتشبهها حالتين من حالات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ هما:
الأولى: بمثابة المنكر الذي إذا تغيَّر، ترتّب عليه منكر أكبر منه، فهذا ممنوع.
الثانية: بمثابة المنكر الذي إذا أُنكر (قلّ أو زال) ، ترتب عليه منكر بقدر زواله، وهذا محل نظر.
رابعاً: المُقْدِمُ على هذه العمليات مقصدُه يدور على تغيير ما هو واقع بالأمة أصالة، وتقديم روحه وبذلها من أجل نيل ثواب الشهادة، وليس في باله (الانتحار) و (قتل نفسه) ، إذ لذاك -لو أراد- طرق أخرى كثيرة.
ولا شك أن لنيته أثراً على الحكم من حيث المآل، والمصير عند الله -عز وجل-. قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذكر حرمة قتل الإنسان نفسه بالكتاب والسنة والإجماع، قال:
«فينبغي للمؤمن أن يفرق بين ما نهى الله عنه من قصد الإنسان قتل