للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

من المقاتلين، ويغلب على ظنه الموت، فهذه صورة مشروعة مستثناة من صور الخلاف فضلاً عن المنع، بل هي من أفضل الأعمال المقربة إلى رضوان الله-عز وجل-، وأصحابها بائعو أنفسهم لله -عز وجل-، كما سبق قريباً في كلام ابن تيمية -رحمه الله-.

وقال -أيضاً-:

«وقد روى مسلم في «صحيحه» (١) عن النبي s قصة أصحاب الأخدود، وفيها: «أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين» ؛ ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار، وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه: إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين، وقد بسطنا القول في هذه المسألة في موضع آخر.

فإذا كان الرجل يفعل ما يعتقد أنه يقتل به لأجل مصلحة الجهاد، مع أن قتله نفسه أعظم من قتله لغيره: كان ما يفضي إلى قتل غيره لأجل مصلحة الدين التي لا تحصل إلا بذلك، ودفع ضرر العدو المفسد للدين والدنيا، الذي لا يندفع إلا بذلك أولى، وإذا كانت السنة والإجماع متفقين على أن الصائل المسلم إذا لم يندفع صوله إلا بالقتل قتل، وإن كان المال الذي يأخذه قيراطاً من دينار، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «من قتل دون ماله فهو شهيد،


(١) في كتاب الزهد: باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام (٣٠٠٥) ، وأسهبتُ في تخريجها وذكر الفوائد والعبر منها في كتابي «من قصص الماضين» (١٩٧-٢٠٧) .

<<  <   >  >>