للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: أن تكون هذه العمليات مخططاً لها، مدروسة بإحكام من قبل القائمين عليها، غالباً على ظن القائمين بها أنَّ مصالحها مقدّمة على مفاسدها، وأن تكون المصلحة مضبوطة بقواعد العلماء وفتاويهم، مع عرض ذلك على الخبراء الحاذقين العارفين، ولا بد هنا من التنبه لأمور:

الأول: أن بعض هذه العمليات، يمكن أن تورط أصحابها بأعمال تفوق إمكاناتهم، وتعرض عناصرها لبلاء لا يطيقونه، وهذا له أثر على الحكم الشرعي لها.

الثاني: أن هذه العمليات موجعة مقلقة للأعداء، إلا أنها متقطّعة، ولذا لا تأتي بثمارها عند العسكريين في غالب صورها إلا مع وجود جيش مقابل جيش ليجني ثمارها، إذ هي بنفسها غير شاملة ولا مستمرة ولا مدمّرة، ولا أستطيع إبداء رأي موضوعي حول (الأضرار) و (المفاسد) من جهة، و (المصالح) و (المكاسب) من جهة أخرى؛ ذلك أنَّ رأياً من هذا النوع يتطلب دراسة عميقة شاملة، لا أظنه موجوداً -على الوجه الذي يرضي- حتى عند من يجيزها ويدافع عنها (مزاودة) -ليس إلا-، ليكسب أصوات الرأي العام في الانتخابات وما شابه، وليدغدغ عواطف الشباب، وليوظفها في ترسيخ الحزبيات، من خلال تعميق الشعور بتحقيق ذاته في هذا المضمار، فتجده يتكلم عليها ويدافع عنها، ويحرص على تبنِّيها بدوافع نفسية فحسب، وهذه الأمور الخطيرة لا تحتاج إلى هذه الدرجة من الفعالية، وعلى المتحمسين أن يعلموا أنهم والمفتون بمنعها من ناحية (عملية) سواء!!

الثالث: نعم؛ هناك نواحٍ إيجابية مهمة لها (١) ،

تؤخذ بعين الاعتبار؛ من


(١) أعني: العمليات التي وقعت في فلسطين، وقد وجدتُ في كتاب «الشهادة في سبيل الله» لأحمد أبو زيد (ص ١١-١٣) بعض الآثار الإيجابية لهذه العمليات، قال: «لقد كان للعمليات الاستشهادية آثار عظيمة على العدو الصهيوني على المستوى الداخلي، = =وعلى المستوى الخارجي، نوجزها فيما يلي:
١- فرار (٩٣٦٠٠٠ تسع مئة وستة وثلاثون ألف) مستوطن -أي: ما يقارب المليون خلال أشهر الانتفاضة (!!) فقط إلى مواطنهم الأصلية في شتى أنحاء العالم، بالإضافة إلى حجز جوازات الآلاف من المستوطنين خشية الهرب، حيث كانت مدة إحضار هؤلاء المستوطنين إلى فلسطين عشرين سنة، وقد ذكرت القناة الثانية من التلفزيون العبري أن المستوطنين يعيشون حالة من الاستنفار والهلع، وقد قال أحد المستوطنين لشارون عندما زارهم في الملاجئ: إلى متى سنبقى مختبئين هنا كالكلاب؟!

٢- لقد أسقطت العمليات الاستشهادية نظرية الأمن الصهيونية، فمعظم العمليات حدثت في مناطق تحميها قوات الأمن الصهيونية، وقد كشفت العمليات الاستشهادية عن هشاشة الكيان الصهيوني، فمن يصدق أن كياناً قام قبل ٥٣ عام لا يشعر بالأمن لغاية الآن، ومن يصدق أن ٢٠% من الشعب الصهيوني هرب خلال ثمانية أشهر من انتفاضة الأقصى! ماذا يعني ذلك؟ إن ذلك يعني: أنه لولا الدعم الأمريكي لهذا الكيان اللقيط بأسلحة التدمير الحديثة، لتهاوى هذا الكيان الخرب.
٣- التمرد في جيش الصهاينة الذي حصل من قبل الجنود، جراء رفضهم للخدمة في منطقة المستوطنات القريبة من المناطق الفلسطينية، بسبب الخوف الشديد من الموت، فآلاف الجنود يقبعون في السجون بسبب التمرد على الأوامر، ويفضلون السجن على الخدمة في مناطق قريبة من الفلسطينيين.
٤- توقف الهجرة الصهيونية من شتى أنحاء العالم إلى بيت المقدس، فلم يصل خلال أشهر الانتفاضة أي مهاجر، مع أن المستوطنات فارغة تنتظرهم للسكن فيها، وذلك بسبب الرعب الذي وصل إلى قلوبهم وهم على بعد آلاف الكيلومترات من فلسطين، مما استدعى حضور مدير المخابرات الأمريكية يحمل في جعبته أسماء المجاهدين لاعتقالهم وتصفيتهم.
٥- إلحاق قتلى العدو من العمليات الاستشهادية بحوادث السير، حتى لا تنهار معنويات الجنود، وأكبر دليل على ذلك عملية الاستشهادي الرابع من شهداء كتائب عز الدين القسام التي قتل فيها ٢٢ صهيوني، فما اعترف الصهاينة إلا بـ ٣ قتلى، وألحقوا باقي القتلى بحوادث السير، ولكن رغم ذلك كله فقد تمرد الجنود الصهاينة على قادتهم، وامتلأت بهم السجون» .

<<  <   >  >>