ولا تنحصر الصرائح في الألفاظ الثلاثة، بل كل لفظ شاع استعماله في قوم أو قطر لإرادة الفراق يقع به الطلاق ولا يحتاج إلى نية.
قال الرافعي: وهذا هو الأظهر، والمذكور في "التهذيب" وعليه تنطبق فتاوى القفال والقاضي حسين والمتأخرين.
قُلْتُ: وبه أفتى الشيخ عز الدين ابن عبد السلام وغيره أيضًا من (ص ٤٩) المتأخرين وهو اختيار إمام الحرمين أيضًا، واحتج له بأن الفقهاء قاطبة اتفقوا على أن المعتبر في الأقارير والمعاملات إشاعة الألفاظ وما يفهم منها في العرف المطرد والعبارات عن العقود تقصد لمعانيها وألفاظ الطلاق عبارة عن مقاصدها فكانت بمثابتها.
وفيه وجه ثالث حكاه القاضي حسين عن القفال أنه إن نوى شيئًا آخر من طعام أو غيره فلا طلاق، وإذا ادعاه صدق وإن لم ينو شيئًا آخر، فإن كان فقيهًا يعلم أن الكناية لا تعمل إلا بالنية لم يقع طلاقه، وإن كان عاميًّا سألناه عما يفهم منه إذا سمعه من غيره فإن قال: يسبق إلى فهمي منه الطلاق؛ حملناه على ما يفهم من غيره.
قَالَ: وهذه درجة متوسطة بين الصريح والكناية، نقله هكذا الإمام في "النهاية" ثم قال: أما قوله: "إن نوى غيره قبل" فحسن؛ لأنه يظهر استعمال هذا اللفظ في أغراض غير الطلاق، وأما قوله:"إن لم ينو" يدل على فهمه فيكاد أن يكون تحكمًا؛ إذ لا عهد بمثل ذلك في الصرائح والكنايات.
قُلْتُ: والذي حكاه أبو سعد المتولي في "التتمة" عن القفال أنه قال: إن نوى غير الزوجة فذاك، وإلا حكمنا بوقوع الطلاق للعرف، ألا ترى أن في العادات لا يحلف بهذا اللفظ من لا زوجة له، وهذا أقرب مما نقله الإمام عن القاضي.
وقد اختلف جواب القاضي حسين في "فتاويه" فيما إذا قال: "حلال اللَّه علي حرام" وله زوجتان فأكثر، فقال في موضعين منها: إنه يقع على كل واحدة طلقة، وقال في موضع آخر: يطلق واحدة منهن؛ لأنه اليقين ويؤمر بالتعيين.
فإذا عرف ذلك فيتصدى العلم في لفظ الحرام إذا أطلق في بلد شاع فيه استعماله في الطلاق، وقد تقدم أن الأظهر كونه صريحًا في إيجاب الكفارة بمقتضى الدليل