وسابعها: أن يروي بعض صغار التابعين ومن ليس من أهل التمييز منهم عن رجل مبهم ما يقتضي له صحبة وهي أضعف المراتب وإن كان جماعة من الأئمة قبلوا مثل ذلك وأثبتوا حديثهم في مسانيد الصحابة والرواة عنهم كما وصفت، وكان ذلك -واللَّه أعلم- لقرينة صدق ذلك الجيل الذي هو خير القرون، وأن مثل هذه المرتبة الشريفة لم يدعها أحد في ذلك العصر كذبًا بخلاف الأعصار المتأخرة؛ فقد رويت أحاديث عن جماعة ادعوا أنهم عمروا وأن لهم صحبة كما قد أولع كثير في هذه الأزمان بحديث رتن الهندي الذي ادعى الصحبة وأنه عاش إلى نحو الستمائة والخمسين ولعله لا وجود له البتة ووضعت عليه هذه الأحاديث، وإن كان له وجود وقد ادعى مثل ذلك فهو كذاب قطعا لا يستريب أحد من علماء أهل الأثر في ذلك، وليس هذا موضع بسط الكلام فيه.
فأما في ذلك العصر الأول فيعز وجود من يدعي صحبة وهو فيها كاذب.
فهذا تقسيم بالغ في تحقيق مراتب ما تثبت به الصحبة، من اللَّه به وله الحمد والمنة، ولم أر أحدًا بسط الكلام في هذه المسألة مع قوة الحاجة الداعية إليها، واللَّه الموفق للصواب وله الحمد كثيرًا لا نحصى ثناءً عليه.
المسألة الثالثة: فى تقرير عدالة الصحابة -رضي اللَّه عنهم-
والذي ذهب إليه جمهور السلف والخلف أن العدالة ثابتة لجميع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- وهي الأصل المستصحب فيهم إلى أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد منهم لما يوجب الفسق مع علمه، وذلك مما لم يثبت صريحًا عن أحد منهم -بحمد اللَّه- فلا حاجة إلى البحث عن عدالة من ثبتت له الصحبة ولا الفحص عنها بخلاف من بعدهم، وهذه المسألة عظيمة الجدوى والحاجة إليها ماسة في أصول الدين وأصول الفقه جميعا:
أما في أصول الدين فبالنظر إلى الإمامة وشرائطها وبماذا تنعقد، ومن يصح أن يكون إمامًا، ومن الذي يعتبر قوله في الحل والعقد.
وأما في أصول الفقه؛ فلأن الصحابة نقلة الشريعة ولم تصل إلى الأمة إلا من جميعهم، فمتى تطرق الطعن إلى أحد منهم حصل التشويش في أصول الشريعة ولم