للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبق بأيدينا -والعياذ باللَّه- متمسك بشيء منها، وتوجهت المطاعن لأهل الزيغ والشبه في الدين وأدى ذلك إلى الانحلال بالكلية كما سيأتي بيانه إن شاء اللَّه، ولا محذور أصعب من هذا؛ ولذلك لا تجد المخالفين في هذه المسألة إلا شذوذًا لا يعتد بهم من أهل البدع ومن في قلبه مرض:

فمنهم من زعم أن حكمهم -أعني الصحابة- في العدالة كحكم غيرهم يجب البحث عنها ومعرفة ما في حق كل واحد منهم.

ومنهم من زعم أن الأصل في كل واحد منهم العدالة لكن في أول الأمر، فأما بعدما ظهرت بينهم الفتن فلا، بل حالهم فيما بعد ظهور الفتن كحال غيرهم؛ لأن الفاسق منهم غير متعين.

وذهب جمهور المعتزلة إلى أن من قاتل عليًّا -رضي اللَّه عنه- فهو فاسق مردود الرواية والشهادة لخروجه على الإمام الحق.

ومنهم من زعم أنه لا تقبل رواية كل من الفريقين ولا شهادته؛ لأنا لا نقطع بفسق أحد الفريقين وهو غير متعين فلا يتميز العدل عن الفاسق فيتعذر القبول.

ومنهم من قال: إذا انفرد أحد الفريقين بالرواية أو الشهادة كان مقبولًا؛ لأن أصل العدالة ثابتة له، وقد شككنا في زوالها فلا تزال بالشك كما في المياه، فأما إذا شاركه في ذلك مخالفه حيث لا يثبت إلا بهما فلا يثبت بهما شيء؛ لأن فسق أحد الفريقين معلوم قطعًا من غير تعيين، فيعارض ذلك تعين العدالة المستصحب كما في الإناءين إذا تيقن نجاسة أحدهما، وهذا مذهب واصل بن عطاء.

ومنهم من شك في فسق عثمان وقتلته -رضي اللَّه عنه-، وقال بعض المصنفين: أما قتلة عثمان -رضي اللَّه عنه- فلا شك في فسقهم لعدم التأويل الحامل لهم على ذلك، وهذا لا يحتاج إليه فيما نحن فيه بحمد اللَّه؛ لأنه ليس في قتلة عثمان -رضي اللَّه عنه- من ثبتت له الصحبة أصلا، ولا من يذكر فيهم سوى محمد بن أبي بكر وهو لا صحبة له ولا رؤية أيضًا؛ لأنه ولد قبل وفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بثلاثة أشهر.

وجميع ما تقدم من هذه الأقوال الشاذة باطلة، والحق ما ذهب إليه الجمهور الأعظم من القول المتقدم أولًا، إلا أن الإمام المازري لم يعم به جميع الصحابة بل قال: لسنا نعني به كل من رآه اتفاقًا أو زاره لمامًا، أو ألم به لغرض وانصرف عن

<<  <   >  >>