حكى الرافعي وغيره عن صاحب "التهذيب" أنه يتعين هنا للطلاق وكان مأخذه أن شيوع ذلك في الطلاق يتنزل منزلة ما إذا نواه حالة اللفظ وأيضًا ففيه احتياط للأبضاع والطلاق أقوى من التحريم، ويمكن معارضة هذا بأن الأصل عدم الفرقة وبقاء النكاح فيرجح إعمال لزوم الكفارة، وذكر الإمام فيه كلامًا طويلًا ملخصه أن شيوع استعماله في الطلاق لا يمنع صرفه بالنية إلى التحريم الموجب للكفارة، كما أنا وإن جعلناه صريحًا في الكفارة عند الإطلاق يجوز صرفه بالنية إلى الطلاق.
قُلْتُ: والسبب في ذلك ما تقدم أن جعله صريحًا في واحد منهما ليس على وجه القطع بل بالاجتهاد فيجوز أن يصرف عن ذلك إلى غيره بالنية، ثم قال الإمام: وأما إذا أطلق وفرعنا على أنه صريح في الكفارة فيبنى على أن الصرائح تؤخذ من الشيوع والاستفاضة فحسب أو منه ومن ورود القرآن والشريعة به؛ فإن حكمنا بأن مأخذ الصراحة (٥١) الشيوع فقط فلا يتصور كون لفظ التحريم صريحًا في التأبين، فإن مبنى الشيوع أن لا يستعمل في اطراد العادة إلا في المطلوب وحينئذ فلا يتصور أن يشيع لفظ على الحد الذي ذكرناه في المعنيين مع اتحاد الزمان والمكان؛ فإن ضاع أحد المعنيين كان صريحًا فيه كناية في الشيء ولزم الحمل على الغالب الشائع، وإن جوزنا أن يكون للصرائح مأخذان:
أَحَدُهُمَا: ورود الشرع.
وَالثَّانِي: الشيوع على النعت المتقدم.
فلو فرض شيوع التحريم في الطلاق فلا يتجه إلا أحد شيئين:
إما تغليب وقوع الطلاق، فإنه يحرم النفس والتحريم الموجب للكفارة لا يحرمها، وإما خروج اللفظ عن كونه صريحًا في التأبين جميعًا؛ لتعارض العرف والشرع واستحالة الجمع وامتناع تخصيص أحد الجانبين فلا يعمل اللفظ إذا في أحد المعنيين إلا بقصد، واللَّه سبحانه أعلم.
[آخر تحرير المقال في تحريم الحلال.]
قال مؤلفه فسح اللَّه في مدته: فرغت منه كتابة وتصنيفًا ببيت المقدس شرفه اللَّه