ومنها أن من كان منهم مجتهدًا أو نقلت عنه فتيا وحكمة هل يلتحق ذلك بكونه قول صحاب حتى يكون حجة على رأي كثير من أهل العلم أو لا يكون كذلك يعني أيضا على إعطائه رتبة الصحبة أم لا.
فتبين أن الخلاف في هذه المسألة ينبني عليه أحكام مهمة عظيمة الجدوى فكيف يكون لفظيًّا؟
وما صرح به بعضهم أن الخلاف اللفظي قد يترتب عليه حكم شرعي فهو بعيد عن المعروف من اصطلاحهم، واللَّه أعلم.
الرابعة: تقدم في عبارة الإمام البخاري وغيره تقييد من رآه -صلى اللَّه عليه وسلم- أو كلمه أو ماشاه بكونه مسلمًا في تلك الحالة حتى يثبت له اسم الصحبة، وكذلك قال الآمدي وغيره.
وهذا هو الحق وإن كانت المسألة قل من صرح بها؛ فإن الصحبة رتبة شريفة اختص بها من صحب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو كلمه أو مشى معه أو رآه على القول بذلك؛ وإنما تثبت هذه الخصيصة ويصح الاتصاف بها بشرطها وهو الإيمان به -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى يصح انتسابه إليه، فمن ليس كذلك لا يصح انتسابه إلى صحبته؛ ولهذا منع اللَّه تعالى نسبة المنافقين إلى صحبته -صلى اللَّه عليه وسلم- وأن يروى عن أحد منهم شيء أصلًا، ولا يوجد لأحد منهم ذكر في شيء من كتب الصحابة.
وكذلك أيضًا لم يذكر أحد أيضا عبد اللَّه بن صياد في الصحابة وقد كلمه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ووقف معه في قصته المشهورة وأسلم بعد وفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وحج ولم يعتدوا بذلك اللقاء والكلام في حال كفره، واللَّه أعلم بما آل إليه أمره بعد إسلامه، وقد ذكر هذه المسألة بعض المتأخرين من فضلاء المغاربة وقال: لعلها لم تقع، أي: أن يلقى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل على كفره ويكلمه ثم يسلم بعد وفاته. وغفل عن ابن صياد هذا.
ومما يستغرب ذكره هنا شيئان:
أحدهما: ما رواه أبو داود في "سننه" من حديث عبد اللَّه بن شقيق، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن أبي الحمساء قال: بايعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ببيع قبل أن يبعث وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه ونسيت، ثم ذكرت بعد ثلاث فجئت فإذا هو في مكانه