للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أخبرنا أبو الفضل سليمان بن حمزة بن أحمد المقدسي سماعًا عليه، قال أنا جعفر بن علي بن هبة اللَّه، أنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفىِ، أنا علي بن أحمد بن بيان، أنا طلحة بن علي بن الصقر، ثنا أبو بكر محمد بن عبد اللَّه الشافعي، ثنا موسى بن الحسن النسائي، ثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، ثنا ثابت وسليمان التيمي، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رَأَيتُ مُوسَى يُصَلِّي في قَبْرِهِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ".

أخرجه مسلم عن هدبة بن خالد وشيبان بن فروخ كلاهما عن حماد بن سلمة به، ولفظه: "مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ" (١).

فهذه الرواية ظاهرة في حياة موسى عليه الصلاة والسلام في قبره، ويدل لذلك أيضًا حديث المعراج وترديده النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد تقدم أن الراجح أن الإسراء كان بجسده -صلى اللَّه عليه وسلم-:

أخبرنا الإمام أبو العباس أحمد بن إبراهيم الفزاري قراءة عليه وأنا أسمع سنة


= ومما يؤكد هذا أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كانوا يختلفون في مسائل كثيرة بعد وفاته -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يخطر في بال أحد منهم أن يذهب إليه -صلى اللَّه عليه وسلم- في قبره ومشاورته في ذلك وسؤاله عن الصواب فيها، لماذا؟
إن الأمر واضح جدا وهو أنهم كلهم يعلمون أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- انقطع عن الحياة الدنيا ولم تعد تنطبق عليه أحوالها ونواميسها، فرسول اللَّه في بعد موته حي أكمل حياة يحياها الانسان في البرزخ ولكنها حياة لا تشبه حياة الدنيا، ولعل مما يشير إلى ذلك قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما من أحد يسلم علي إلا رد اللَّه علي روحي حتى أرد عليه السلام".
وعلى كل حال فإن حقيقتها لا يعلمها إلا اللَّه سبحانه وتعالى ولذلك فلا يجوز أن نقيس الحياة البرزخية أو الحياة الأخروية على الحياة الدنيوية كما لا يجوز أن تعطى واحدة منهما أحكام الأخرى بل لكل منها شكل خاص وحكم معين ولا تشابه إلا في الاسم؛ أما الحقيقة فلا يعلمها إلا اللَّه تبارك وتعالى.
(١) "صحيح مسلم" (٢٣٧٥).

<<  <   >  >>