أبيه قال: خرج أبو جعفر المنصور سنة سبعٍ وأربعين ومائة فلما قدم المدينة قال: أبعث إلى جعفر بن محمد يعني الصادق من يأتيني به قتلني اللَّه إن لم أقتله فأمسكت عنه رجاء أن ينساه فأغلظ لي في الثانية فقلت جعفر بن محمد بالباب يا أمير المؤمنين فقال له: ائذن له فأدخلته فلما دنونا من الباب قام فحرك شفتيه فدخل فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال المنصور: لا سلم اللَّه عليك يا عدو اللَّه تلحد في سلطاني وتبغي الغوائل في ملكي قتلني اللَّه إن لم أقتلك.
فقال له جعفر بن محمد: يا أمير المؤمنين إن سليمان أعطي فشكر وإن أيوب ابتلى فصبر وإن يوسف ظُلم فغفر، فنكس طويلًا ثم رفع رأسه إليَّ وقال: إلى وعندي يا أبا عبد اللَّه البريء الساحة السليم الباحة القليل الغائلة، جزاك اللَّه من ذي رحم أفضل ما يجزي ذوي الأرحام عن أرحامهم، ثم تناول يده فأجلسه معه على فرشه ثم دعا بالغالية فطيبه بيده حتى حسبت أن لحيته تقطر منها ثم قال: في حفظ اللَّه وكلاءته يا ربيع الحق أبا عبد اللَّه جائزته وكسوته، فانصرف فلحقته فقلت: إني قد رأسط قبلك ما لم تر ورأيت بعدك ما قد رأيت، وقد رأيتك تحرك شفتيك فما الذي قلت؟
قال: نعم إنك رجل منا أهل البيت ولك محبة وود وهو دعاء أحفظه عن آبائي عليهم السلام قلت: اللهم احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بكنفك الذي لا يرام وارحمني بقدرتك عليَّ أنت ثقتي ورجائي، رب كم من نعمة أنعمت بها علي قلَّ لك عندها شكري، وكم من بلية ابتليتني بها قلَّ لك عندها صبري فيا من قلَّ عند نعمه شكري فلم يحرمني، ويا من قلَّ عند بلائه صبري فلم يخذلني، ويا من رآني عند البلايا فلم يفضحني، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع معروفه أبدًا، ويا ذا النعم التي لا تحصى عددًا، أسألك أن تصلي على سيدنا محمد وعلى آل محمد، اللهم إنه عبد من عبادك ألقيت عليه سلطانًا من سلطانك فخذ بسمعه وبصره وقلبه إلى ما فيه صلاح أمري، وبك أدرأ في نحره وأعوذ بك من شره، أعني على ديني بدنياي، وأعني على آخرتي بتقواي، واحفظني فيما غبت عنه ولا تكلني إلى نفسي فيما حضرته يا من لا تضره الذنوب ولا تنقصه المغفرة اغفر لي ما لا يضرك وأعطني ما لا ينقصك إنك أنت الوهاب، يا إلهي أسألك فرجًا قريبًا وصبرًا جميلًا ورزقًا