للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليك وقد أرمت أي بليت (١)، إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي يفيد مجموعها العلم بأن موت الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم ليس عدمًا محضًا كموت غيرهم بل هو انتقال من حال إلى أخرى وغيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحياء، وذلك كالحال في الملائكة فإنهم أحياء موجودون ولا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه اللَّه بكرامة من أوليائه.

بقي أن يقال: لاشك أن اللَّه تعالى قد توفاهم من الدنيا وذاقوا الموت كما قال أبو بكر -رضي اللَّه عنه- لنبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-: أما الموتة التي كتب اللَّه عليك فقد ذقتها (٢).

فإذا كانوا أحياء قد أحياهم اللَّه بعد موتهم ذلك، فيلزم من ذلك أنهم يموتون موتة ثانية عند النفخ في الصور فيذوقون الموت أكثر من غيرهم.

وجواب هذا أنه إذا نفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض فلا شك أن صعق غير الأنبياء بالموت، وأما صعق الأنبياء فالظاهر أنه غشية وزوال استشعار لا موت كغيرهم لئلا يلزم أخهم يموتون مرتين، وهذا ما اختاره الإمام البيهقي والقرطبي وغيرهما أن صعقهم يومئذ ليس موتًا بل غشي أو نحوه، ويدل لصحته قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث المتقدم "فَلَا أَدْرِي أَكَانَ مِمَّنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي" ولم يقل "فحيى قبلي"، فإن هذا يقتضي أنه إذا نفخ النفخة الثالثة وهي نفخة البعث يفيق من كان مغشيًّا عليه ويحيى من كان ميتًا، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وكذلك غيره من الأنبياء لم يحصل لهم إلا الغشي فلذلك قال: "فَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيققُ".

والحاصل أن نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- محقق أنه أول من يفيق وأول من يخرج من قبره قبل الناس كلهم الأنبياء وغيرهم إلا موسى عليه الصلاة والسلام؛ فإنه حصل له تردد هل بعث قبله أو بقي على الحالة التي كان عليها قبل نفخة الصعق، وهذا الوجه أقوى ما يقرر


(١) رواه أبو داود (١٠٤٧، ١٥٣١)، والنسائي (٣/ ٩١)، وابن ماجة (١٦٣٦)، وابن خزيمة (١٧٣٣)، وابن حبان (٩١٠)، والحاكم (١/ ٤١٣) وصححه على شرط البخاري، جميعا من حديث أوس بن أوس -رضي اللَّه عنه-.
(٢) رواه البخاري (١٢٤٢) ضمن حديث.

<<  <   >  >>