الأَحْمَرِ" المراد بهذه الطريق: الطريق التي سلكها -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة أسري به من مكة إلى بيت المقدس كلما أشار إليه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث المتقدم "مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى لَيلَةَ أُسْرِيَ بِي وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ".
قال الإمام أبو حاتم محمد بن حبان البستي الحافظ: إن اللَّه عز وجل أحيا موسى في قبره حتى مر عليه المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة أسري به، وذلك أن قبر موسى بمدين بين المدينة وبين بيت المقدس فرآه -صلى اللَّه عليه وسلم- في قبره يدعو إذ الصلاة دعاء.
قُلْتُ: حمله الصلاة على معناها اللغوي بعيد لا وجه له؛ لأن الأصل خطاب الشارع بحقائقه الشرعية، ويرجح هذا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- "وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ" فهذه قرينة أيضًا ترجح كونه مصليًا الصلاة المعهودة، وقد تقدم ما يتعلق بصلاتهم وحجهم.
وقال الحافظ ضياء الدين أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي فيما وجدته بخطه: وأنباني به جماعة من شيوخنا عنه: قوله -يعني ابن حبان- قبره بمدين فيه نظر؛ وذلك أن موسى -عليه السلام- سأل ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر، ومدين ليست قريبة من بيت المقدس ولا من الأرض المقدسة.
قال: وقد اشتهر أن قبرًا قريبًا من أريحا وهي من الأرض المقدسة يزار ويقال أنه قبر موسى وعنده كثيب أحمر وطريق وحدثنا عنه غير شخص ممن رآه، وحدثني الشيخ سالم التلي قال: ما رأيت استجابة الدعاء أسرع منها عند قبر هذا المذكور (١).
وحدثني الشيخ عبد اللَّه بن يونس المعروف بالأرموي أنه زار هذا القبر وأنه نام فرأى في منامه قبة في هذا الموضع ورأى فيها شخصًا أسمر فسلم عليه وقال: أنت موسى كليم اللَّه -أو قال: نبي اللَّه- قال: نعم، فقلت: قل لي شيئًا فأومأ إلي بأربع أصابع ووصف طولهن قال: فانتبهت فلم أدر ما قال فجئت إلى الشيخ ذيال
(١) وهذا اعتقاد فاسد، فاللَّه تعالى لا نحتاج عند دعائنا إياه إلى قبر أو قبة أو واسطة أو غير ذلك، بل كما قاله تعالى في سورة البقرة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)} واللَّه المستعان.