يَزَلِ النَّاسُ حِيْنَذَاكَ يَفِدُوْنَ على مَكَّةَ، ولمَّا كَثُرُوا فيها قامَتْ فِيْهِم أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةُ رَضِيِ اللهُ عَنْهَا، فَحَثَّتْهُم على القِيَامِ بِطَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ، وذَكَرَتْ ما افْتَاتَ بِهِ أُولَئِكَ مِنْ قَتْلِهِ في بَلَدٍ حَرَامٍ وشَهْرٍ حَرَامٍ، ولَم يَرْقُبُوا جَوَارَ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وقَدْ سَفَكُوا الدِّمَاءَ وأخَذَوا الأمْوَالَ، فاسْتَجَابَ النَّاسُ لَهَا، وطَاوَعُوْهَا على مَا تَرَاهُ مِنَ الأمْرِ بالمَصْلَحَةِ، وقالُوا لها: حَيْثُمَا سِرْتِ سِرْنا مَعَكِ، وبَعْدَ أنْ تَعَدَّدَتْ آرَاؤُهُم في تَحْدِيْدِ الجِهَةِ الَّتي يَسِيْرُوْنَ إليْهَا أجْمَعُوا على الذَّهَابِ إلى البَصْرَةِ، فلَمَّا أتَوْا البَصْرَةَ مَنَعَهُم مِنْ دُخُوْلِهَا عُثْمَانُ بْنُ حَنِيْفٍ عَامِلُ عَليٍّ عَلَيْهَا حِيْنَذَاكَ، وجَرَتْ بَيْنَهُ وبَيْنَهُم مُرَاسَلَةٌ ومُحَاوَرَةٌ.
* * *
ثمَّ ما لَبِثُوا أن اصْطَلَحُوا بَعْدَ ذَلِكَ إلى أنْ يَقْدِمَ عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ لأنَّهُ بَلَغَهُم أنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِم ... فأخَذَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في الاتِّجَاهِ بَعْدَهُم في جَمْعٍ كَبِيْرٍ قَاصِدًا الشَّامَ، وهو يَرْجُو أنْ يُدْرِكَهُم قَبْلَ وُصُولِهِم إلى البَصْرَةِ، فلَمَّا عَلِمَ أنَّهُم قَدْ فَاتُوْهُ، اسْتَمَرَّ في طَرِيقِهِ إلَيْهِم قَاصِدًا البَصْرَةَ مِنْ أرْضِ العِرَاقِ (١).
(١) «تَارِيْخُ الأُمَمِ والمُلُوْكِ» لابنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ (٤/ ٤٥٥)، و «الكَامِلُ» لابنِ الأثِيْرِ (٣/ ٢٢١ - ٢٢٢)، و «البِدَايَةُ والنِّهايَةُ» لابنِ كَثِيْرٍ (٧/ ٢٥٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute