فوصفهم الله بالتعبد والانقطاع إلى الله بدعائه قصدًا لله خالصًا فدل على أنهم انقطعوا لعبادة الله بدعائه قصدًا لله لا يشغلهم عن ذلك شاغل، فنحن إنما صنعنا صفة مثلها أو تقاربها يجتمع فيها من أراد الانقطاع إلى الله ويلتزم العبادة ويتجرد عن الدنيا والشغل بها وذلك كان شأن الأولياء ينقطعون عن الناس ويشتغلون بإصلاح بواطنهم ويولون وجوههم شطر الحق فهم على سيرة من تقدم، وإنما يسمى ذلك بدعة باعتبار ما بل هي سنة وأهلها متبعون للسنة فهي طريقة خاصة لأناس.
وهذا كله من الأمور التي جرت عند كثير من الناس، هكذا غير محققة ولا منزلة على الدليل الشرعي ولا على أحوال الصحابة والتابعين، ولا بد من بسط طرف من الكلام في هذه المسألة بحول الله حتى يتبين الحق فيها لمن أنصف ولم يغالط نفسه وبالله التوفيق، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما هاجر إلى المدينة كانت الهجرة واجبة على كل مؤمن بالله ممن كان بمكة أو غيرها، فكان منهم من احتال على نفسه فهاجر بماله أو شيء منه فاستعان به لما قدم المدينة في حرفته التي كان يحترف من تجارة أو غيرها كأبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنه هاجر بجميع ماله وكان خمسة آلاف، ومنهم من فرّ بنفسه ولم يقدر على استخلاص شيء من ماله فقدم المدينة صفر اليدين، وكان الغالب على أهل المدينة العمل في حوائطهم وأموالهم بأنفسهم فلم يكن لغيرهم معهم كبير فضل في العمل، وكان من المهاجرين من أشركهم الأنصار في موالهم وهم الأكثرون ومنهم من لم يجد وجهًا يكتسب به لقوت ولا لسكنى فجمعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفة كانت في مسجده وهي سقيفة كانت من