جملته إليها يأوون وفيها يقعدون إذ لم يجدوا مالا ولا أهلا، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحض الناس على إعانتهم والإحسان إليهم، وقد وصفهم أبو هريرة، رضي الله عنه إذ كان من جملتهم وهو أعرف الناس بهم، قال في الصحيح وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد إذا أتته يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها فوصفهم أنهم أضياف وحكم لهم كما ترى بحكم الأضياف، وإنما وجبت الضيافة في الجملة لأن من نزل بالبادية لا يجد منزلا ولا طعامًا لشراء إذ لم يكن لأهل الوبر أسواق ينال منها ما يحتاج إليه من طعام يشترى، ولا حانات يؤوى إليها فصار الضيف مضطرًا وإن كان ذا مال فوجب على أهل الموضع ضيافته وإيواؤه حتى
يرتحل، فإن كان لا مال له فذلك أحرى فكذلك أهل الصفة لما لم يجدوا منزلا آواهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد حتى يجدوا، كما أنهم حين لم يجدوا ما يقوتهم ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى إعانتهم وفيهم نزل {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} ألا ترى كيف قال: أخرجوا ولم يقل: خرجوا فإنه قد كان يحتمل أن يخرجوا اختيارًا فبان أنهم إنما خرجوا منها اضطرارًا ولو وجدوا سبيلا أن لا يخرجوا لفعلوا، ففيه دليل على أن الخروج عن المال اختيارًا ليس بمقصود للشارع وهو الذي تدل عليه أدلة الشريعة فلأجل ذلك بوأهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفة فكانوا في أثناء ذلك ما بين طالب للقرآن والسنة كأبي هريرة فإنه قصر نفسه على ذلك، وكان منهم من يتفرغ لذكر الله وعبادته وقراءة القرآن فإذا غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا معه وإذا أقام أقام معه