للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حتى فتح الله على رسوله وعلى المؤمنين، فصار إلى ما صار إليه غيرهم ممن كان ذا أهل ومال وطلب للمعاش واتخاذ المسكن؛ لأن العذر الذي حبسهم في الصفة قد زال فرجعوا إلى الأصل لما زال العارض.

فالذي تحصل أن القعود في الصفة لم يكن مقصودًا لنفسه ولا بناء الصفة للفقراء مقصودًا بحيث يقال إن ذلك مندوب إليه لمن قدر عليه، ولا هي رتبة شرعية تطلب بحيث يقال إن ترك الاكتساب والخروج عن المال والانقطاع إلى الزوايا يشبه حالة أهل الصفة وهي الرتبة العليا؛ لأنها تشبه بأهل صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين وصفهم الله تعالى في القرآن بقوله: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}، وقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} الآية فإن ذلك لم يكن على ما زعم هؤلاء بل كان على ما تقدم.

والدليل من العمل أن المقصود بالصفة لم يدم ولم يثابر أهلها ولا غيرهم على البقاء فيها ولا عمرت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان من قصد الشارع ثبوت تلك الحالة لكانوا هم أحق بفهمها أولا ثم بإقامتها والمكث فيها عن كل شغل، وأولى بتجديد معاهدها لكنهم لم يفعلوا ذلك البتة، فالتشبه بأهل الصفة إذًا في إقامة ذلك المعنى واتخاذ الزوايا والربط لا يصح، فليفهم الموفق هذا الموضع فإنه مزلة قدم لمن لم يأخذ دينه عن السلف الأقدمين والعلماء الراسخين.

ولا يظن العاقل أن القعود عن الكسب ولزوم الربط مباح أو مندوب إليه أفضل من غيره إذ ليس ذلك بصحيح، ولن يأتي آخر

<<  <   >  >>