للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدلّ على ذلك مؤلَّفاته وفتاواه الحرّة المطابقة لروح العصر. ولقد أوحى بتدريسه لمجلة الأحكام العدلية وحرصه على إبراز منافعها فكرةَ تقنين الفقه بمصر. وكان أولَ المتأثرين به في ذلك قدري باشا، الذي أفاد من جهود بعض الفقهاء والمعاصرين، ووضع بذلك كتاب مرشد الحيران الى معرفة أحوال الإنسان، في المعاملات الشرعية على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان (١).

وما كان له أن يبلغ في مجالات الإصلاح هذه مبلغاً يذكر لو لم يستغلّ فرصة فترة الوفاق بينه وبين الخديوي عباس الثاني، وطلب منه إعانته في العمل لإصلاح المؤسسات التعليمية والتربوية والاجتماعية الثلاثة: الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية. فعُيّن عضواً ممثلاً للحكومة بإدارة الأزهر، كما اختير عضواً في مجلس شورى القوانين، ومجلس الأوقاف.

وهو وإن آخذه حُسَّاده أو خصومُه على تقرّبه من الحاكم بمماشاته للسلطة وللدولة المحتلّة، فقد كان ذلك منه سياسةَ مداراة للأوضاع المؤلمة والأحوال الخطيرة، طلباً لتحقيق الإصلاح في جوانب متعدّدة من حياة الأمة. وقد أيّده في ذلك من كان بصيراً بما آلت إليه مصر، وبما انتهى إليه أمر المسلمين بها حين قال: "كنت أعلم أنه ما أراد إلا تخفيف الداء، وتقريب أجل البلاء، وتمهيد طريق الجلاء، وما زال شأنه يعلو، وحقيقته تظهر، وجوهره ينجلي بالحك، وعقيدة فضله تتمحّص من الشك، إلى أن اتفق الناس على كونه أحد أفذاذ الشرق الذين قلّما جاد بهم الدهر، وواسطةَ عقد المصلحين المجددين في هذا العصر. وظهر أن طريقته الإسلامية العصرية ستزداد


(١) عبد الرزاق السنهوري وأحمد حشمت أبي شيب. أصول القانون: ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>