شاةً ولدت غلامًا، فأعطته، فسجع لها أسجاعًا، ثم عمد إلى الشاة، فذبحها، وطبخها، وجلسنا نأكل منها، ومعنا أبو بكر، فلما علِم بالقصّة قام، فتقيّأ كل شيء أكل، قال: ثم رأيت ذلك البدويّ أُتي به عمر بن الخطاب، وقد هجا الأنصار، فقال لهم عمر: لولا أن له صحبةً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أدري ما نال منها لكفيتموه، ولكن له صحبة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال: وقد توقّف عمر -رضي الله عنه- عن معاتبته فضلًا عن معاقبته؛ لكونه علِمَ أنه لقي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.
وفي ذلك أبين شاهد على أنهم كانوا يعتقدون أن شأن الصحابة -رضي الله عنهم- لا يعدله شيء، كما ثبت في "الصحيحين" عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه".
وقد تواتر عنه -صلى الله عليه وسلم- قوله:"خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم ... " الحديث.
وقال بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "أنتم توفون سبعين أمّة، أنتم خيرها، وأكرمها على الله" عز وجل (١).
وروى البزّار في "مسنده" بسند رجاله موثّقون من حديث سعيد بن المسيّب، عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله اختار أصحابي على الثقلين، سوى النبيين والمرسلين".
وقال عبد الله بن هاشم الطوسيّ: حدّثنا وكيع، قال: سمعت سفيان يقول في قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}[النمل: ٥٩] قال: هم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-. والأخبار في هذا كثيرة جدّا، فلنتقصر على هذا القدر، ففيه مَقْنَع لمن وُفّق للهداية، وأما أهل الضلال والغواية لا يستفيدون من التطويل، ولو تُليت
(١) أخرجه أحمد في "مسنده" ٤/ ٤٤٧ و ٥/ ٣ والحاكم في "المستدرك" ١/ ٤ / ٨٤ وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبيّ.