الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، ولم يجعل له عِوجًا، وأسند بيانه إليه -صلى الله عليه وسلم-، فقال عز وجل:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤]، فكانت سنته بيانًا لمجمله، وقيدًا لمطلقه، فأعظم بها منهجًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي لم يجعل في دينه حرجًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله رحمة للعالمين، وواضعًا عنهم كلّ إصر كان أثقل ظهر الأولين مُحْرِجًا، صلّى الله عليه وعلى آله، وصحبه، وسلّم تسليمًا أبلجًا.
[أما بعد]: فإن سنن الإمام الحافظ الحجة الثبت أبي عبد الله محمد بن يزيد المعروف بابن ماجه من أهمّ الكتب التي تتداولها أيدي طلبة العلم في جميع أقطار الأرض من قديم الزمان، غير أنه لم يقم أحد بشرحها شرحًا وافيًا بمقاصدها، ومستوعبًا لمباحثها، ومزيلًا لملتبساتها، وفاتحًا لمقفلاتها، ومبيّنًا ما تضمّنته من أنواع العلوم، وأسرار الفهوم، وموضّحًا ما وقع فيها من الأحاديث الواهية، وغيرها من المطالب التي هي من أهمّ المهمّات لطلّاب العلم، ولا سيّما طلّاب الحديث، وقد كتب كثيرون من فضلاء المتقدّمين، والمتأخرين عليها تعليقات لا بأس بها، لكنها قطرات، لا تُروي الغليل، ولا تشفي العليل، فأحببت أن أتشرّف بخدمتها حسب الطاقة بشرح متّصف بالأوصاف السابقة، تتجلّى فيه معاني الأحاديث باسقة، متحلّية بحلل جواهر أهل الحديث، ممن أسهموا في خدمة هذا الفنّ في القديم والحديث، وأخصّ منهم الإمام الحافظ الحجة، حذام المحدثين في المتأخرين، شيخ الإسلام أحمد بن محمد بن عليّ المعروف بابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى، فإن كتبه هي مادّة هذا الشرح، ولا سيّما كتابه العديم النظير في بابه "فتح الباري شرح صحيح البخاري"، فقد قلت، وأقول، وأكرر: لولا فتح الباري، ثم "فتح الباري" ما قضيت أوطاري، وكذا كتب الأئمة: ابن