وعدم المقاتلة، كما بينته رواية أحمد من طريق أبي سهلة، عن عائشة رضي الله عنها، وفيه:"فلما كان يومُ الدار، وحُصِر فيها، قلنا: يا أمير المؤمنين، ألا تُقاتل؟ قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَهِد إليّ عهدًا، وإني صابر نفسي عليه".
(فَأَنَا صَائِرٌ إِلَيْهِ) أي راجع إليه، يقال: صار الأمر إلى كذا: رجع إليه، وإليه مَصِيره: أي مرجعه ومآله. والمعنى: أنه راجع إلى ذلك العهد، ومتمسّك به.
(وَقَالَ عَلِيٌّ) يعني شيخه الثاني (في حَدِيثِهِ: وَأَنَا صَابِرٌ عَلَيْهِ) يعني أن شيخه محمد ابن عبد الله بن نمير رواه بلفظ: "فأنا صائر إليه" بالهمزة، وأما شيخه عليّ بن محمد الطنافسيّ، فرواه بلفظ:"فأنا صابر عليه" بالباء الموحّدة بدل الهمزة.
والمعنى: أنه حابسٌ نفسه على ذلك العهد، ومتمسّك به.
(قَالَ قَيْسٌ) أي ابن أبي حازم (فَكَانُوا) أي الصحابة الموجودون، ومن معهم من التابعين في ذلك الوقت (يُرَوْنَهُ) بضمّ أوله، وفتح ثالثه: أي يظنون ذلك العهد، أو بفتح أوله وثالثه، وهو بمعناه؛ لأن رأى تُستعمل بمعنى اليقين والظن، وقد اجتمعا في قوله عز وجل: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (٦) وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج:٦ - ٧]، فالأول بمعنى الظنّ، والثاني بمعنى اليقين (ذَلِكَ الْيَوْمَ) بالنصب مفعولا ثانيًا لـ"يرونه".
والمعنى أن الناس لمّا رأوا صبر عثمان -رضي الله عنه- على اعتداء الخارجين عليه، وثباته وعدم التعرّض لهم بالمقاتلة والدفاع حينما طُلِب منه ذلك عَرَفوا أن ذلك اليوم هو يوم العهد الذي عهد إليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولقد أصابوا في هذا الظنّ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث عائشة وعثمان رضي الله عنهما هذان صحيحان.
(المسألة الثانية): في تخريجهما:
أخرجهما (المصنّف) هنا (١٣/ ١١٣) بهذا السند فقط، وأخرجهما (الحميديّ) في