مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: ١٧٢]، قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم: الزُّبير، وأبو بكر، لمّا أصاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أصاب يومَ أحد، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا، قال:"مَنْ يَذهَب في إِثْرهم؟ "، فانتدب منهم سبعون رجلًا، قال: كان فيهم أبو بكر والزبير.
قال في "الفتح": وقد سُمّي منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعمّار بن ياسر، وطلحة، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الرّحمن بن عوف، وأبو عبيدة، وحُذيفة، وابن مسعود، أخرجه الطّبريّ من حديث ابن عبّاس، وعند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن ذكر الخمسة الأولين، وعند عبد الرزّاق من مرسل عروة ذكر ابن مسعود. انتهى (١).
وقال أبو العباس القرطبيّ رحمه الله: أشارت عائشة رضي الله عنها بهذا إلى ما جرى في غزوة حمراء الأسد، وهو موضع على نحو ثمانية أميال من المدينة، وكان من حديثها أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لمّا رجع إلى المدينة من أُحُد بمن بقي من أصحابه، وأكثرهم جريح، وقد بلغ منهم الجَهْد، والمشقّة نهايته، أمرهم بالخروج في إثر العدوِّ مُرهِبًا لهم، وقال:"لا يخرُجنّ إِلَّا من كان شهد أُحدًا"، فخرجوا على ما بهم من الضعف والجراح، وربما كان فيهم المثقل بالجراح لا يستطيع المشيَ، ولا يجد مركوبًا، فربما يُحمَل على الأعناق، كلُّ ذلك امتثال لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورغبة في الجهاد والشهادة حتّى وصلوا إلى حمراء الأسد، فلقيهم نُعيم بن مسعود، فأخبرهم أن أبا سفيان بن حرب، ومن معه من قريش قد جمعوا جُموعَهم، وأجمعوا رأيهم على أن يعودوا إلى المدينة، فيستأصلوا أهلها، فقالوا ما أَخْبَرَنَا الله به عنهم:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران: ١٧٣] وبينا قريشٌ قد أجمعوا على ذلك، إذ جاءهم معبد الْخُزاعيّ، وكانت خُزَاعة حلفاء النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وعَيْبَة نُصحه، وكان قد رأى حالَ أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وما هم عليه، ولمّا رأى عزم قريش على الرجوع، واستئصال أهل المدينة حَمَلَهُ خوف ذلك، وخالص نُصحه للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-
(١) "فتح" ٧/ ٤٣٢ - ٤٣٣. "كتاب المغازي" رقم (٤٠٧٨).