-رضي الله عنه- قالوا لأعرابي جاهلٍ: سلْهُ عمن قَضَى نحبه من هو؟ وكانوا لا يَجتَرئون هم على مسألته، يُوَقِّرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي، فأعرض عنه، ثمّ سأله فأعرض عنه، ثمّ إنِّي اطلعت من باب المسجد، وعلي ثياب خُضْرٌ، فلما رآني رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال:"أين السائل عمن قضى نحبه؟ " قال الأعرابي: أنا يا رسول الله، قال:"هذا ممّن قضى نحبه".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إِلَّا من حديث أبي كريب، عن يونس بن بكير، وقد رواه غير واحد من كبار أهل الحديث، عن أبي كريب هذا الحديث، وسمعت محمّد بن إسماعيل يحدِّث بهذا عن أبي كريب، ووضعه في "كتاب "الفوائد". انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الحديث حسنٌ كما قال الترمذيّ، فإن رجاله ثقات، وقد أخرج لهم مسلم، ويحيى بن طلحة، وإن تكلّم فيه بعضهم من قِبَل حفظه، إِلَّا أنه حسن الحديث، فكان الأولى للمصنّف أن يورده بدلًا من حديث معاوية -رضي الله عنه-. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثّالثة): في فوائده:
١ - (منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله، وهو بيان فضل طلحة بن عُبيد الله -رضي الله عنه-، حيث أخبر النبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بأنه ممّن قضى نحبه مع أنه لا يزال حيّا، ينتظر الوفاء بما عاهد الله عليه.
٢ - (ومنها): أن فيه علمًا من أعلام النبوّة، حيث أخبر -رضي الله عنه- أنه يُقتل شهيدًا، فقُتل يوم الجمل، فويلٌ لمن قتله.
٣ - (ومنها): جواز مدح الإنسان في وجهه إذا لم يُخش عليه فتنة.
٤ - (ومنها) أن فيه إشارة إلى قول -عَزَّ وَجَلَّ-: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} الآية [الأحزاب: ٢٣]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.