غَضًّا) -بفتح الغين، وتشديد الضاد المعجمتين- قال ابن الأثير:"الغضّ": الطريّ الّذي لم يتغيّر، أراد طريقه في القراءة، وهيأته فيها، وقيل: أراد بالآيات الّتي سمعها منه من أول "سورة النِّساء" إلى قوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}[النِّساء: ٤١]. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا القول الأخير غير صحيح؛ إذ فيه تخصيص للعامّ من غير دليل، ومما يُبطله ما أخرجه النَّسائيّ بإسناد صحيح من طريق علقمة، وخيثمة كلاهما عن قيس بن مروان، قال: جاء رجل إلى عمر، فقال عمر: من أين جئت؟ قال: من العراق، وتركتُ بها رجلًا يُملي المصحف عن ظهر قلبه، قال: من هو؟ قال: ابن مسعود، قال: ما في النَّاس أحدٌ أحقّ بذلك منه، ثمّ قال: أُحدّثك عن ذلك، سَمَرْنا مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - في بيت أبي بكر، فخرجنا، فسمعنا قراءة رجل في المسجد، فتسمّع، فقيل: رجل من المهاجرين يصلّي، قال:"سَلْ تُعْطه" ثلاثًا، ثمّ قال:"من أراد أن يقرأ القرآن رطبًا كما أُنزل، فليقرأه كما يقرأ ابن أمّ عبد"، والله تعالى أعلم.
(كَمَا أُنْزِلَ) بالبناء للمفعول، أي على الوجه الّذي أنزله الله -عَزَّ وَجَلَّ- (فَليَقرَأهُ عَلى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ) وفي نسخة: "فليقرأ قراءة ابن أم عبد"، يعني عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أبي بكر وعمر رضي الله عنهما هذا صحيح، وعاصم ثقة، ولم ينفرد به، فقد أخرجه النَّسائيّ في "الفضائل" من "الكبرى"(٨١٩٨ و ٨١٩٩ و ٨٢٠٠) بأسانيد صحيحة، من طريق خيثمة، وعلقمة، كلاهما عن قيس بن مروان، عن عمر -رضي الله عنه-، والله تعالى أعلم.