قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحاصل أن الأخذ بالعزيمة هو الأولى، ولكن الترخّص مشروع، غير مذموم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): اختلف العلماء في حَدّ الإكراه، فروي عن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- أنه قال: ليس الرَّجل آمَنَ على نفسه إذا أخفته، أو أوثقته، أو ضربته. وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: ما كلام يَدْرَأ عني سوطين إِلَّا كنت متكلما به. وقال الحسن: التَّقِيّة جائزة للمؤمن إلى يوم القيامة، إِلَّا أن الله تبارك وتعالى ليس يَجْعَل في قتل تقية. وقال النخعي: القيد إكراه، والسجن إكراه، وهذا قول مالك، إِلَّا أنه قال: والوعيد المخَوِّف إكراه، وإن لم يقع، إذا تحقق ظلم المعتدي، وإنفاذه لما يتوعد به، وليس عند مالك وأصحابه في الضرب والسجن توقيت، إنّما هو ما كان يؤلم من الضرب، وما كان من سجن يَدخُل منه الضِّيقُ على المُكْرَه، وإكراه السلطان وغيره عند مالك إكراه، وتناقض الكوفيون، فلم يَجعَلُوا السجن والقيد إكراهًا على شرب الخّمْرِ، وأكل الميتة؛ لأنه لا يَخاف منهما التلف، وجعلوهما إكراهًا في إقراره لفلان عندي ألف درهم. قال ابن سحنون: وفي إجماعهم على أن الألم والوجع الشديد إكراه، ما يدلُّ على أن الإكراه يكون من غير تَلَفِ نفسٍ، وذهبَ مالك إلى أن مَنْ أُكره على يمين بوعيد أو سجن أو ضرب أنه يَحلِف، ولا حنث عليه، وهو قول الشّافعيّ وأحمد وأبي ثور، وأكثر العلماء. ذكره القرطبيّ أيضًا (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الإمام مالك وأكثر أهل العلم من أن الإكراه يكون بغير القتل، من السجن والضرب، ونحوهما هو الأرجح عندي؛ لإطلاق النصّ {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} الآية، فلم يخصّ نوعًا من الإكراه حتّى نخصه به، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.