وقال البيضاوي رحمه الله: معنى الحديث: لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أحد ذهبًا من الفضل والأجر ما ينال أحدهم بإنفاق مُدِّ طعام أو نصيفه، وسببُ التفاوت ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص، وصدق النية.
قال الحافظ: وأعظم من ذلك في سبب الأفضلية عِظَمُ مَوْقِع ذلك لشدة الاحتياج إليه، وأشار بالأفضلية بسبب الإنفاق إلى الأفضلية بسبب القتال، كما وقع في الآية:{مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ}[الحديد: ١٠]، فإن فيها إشارة إلى موقع السبب الّذي ذكرته، وذلك أن الإنفاق والقتال كان قبل فتح مكّة عظيمًا؛ لشدة الحاجة إليه، وقِلَّة المعتني به، بخلاف ما وقع بعد ذلك؛ لأن المسلمين كَثُرُوا بعد الفتح، ودخل النَّاس في دين الله أفواجًا، فإنّه لا يقع ذلك الموقع المتقدم. والله أعلم، انتهى كلام الحافظ (١).
وقال النوويّ رحمه الله في "شرح مسلم"(جـ: ١٦ ص: ٩٣): معنى الحديث: لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهبًا ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أَحَد أصحابي مُدّا، ولا نَصف مُدّ، قال القاضي عياض: ويؤيد هذا ما قدمناه في أول "باب فضائل الصّحابة" عن الجمهور من تفضيل الصّحابة كلهم على جميع مَنْ بَعْدهم، وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضّرورة، وضِيق الحال، بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته -صلى الله عليه وسلم-، وحمايته، وذلك معدوم بعده، وكذا جهادهم، وسائر طاعاتهم، وقد قال الله تعالى:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً} الآية [الحديد: ١٠]، هذا كله مع ما كان في أنفسهم من الشفقة والتودد والخشوع والتواضع والإيثار والجهاد في الله حَقَّ جهاده، وفضيلةُ الصحبة ولو لحظةً لا يوازيها عملٌ، ولا تُنال درجتها بشيء، والفضائل لا تؤخذ بقياس، ذلك فضل الله يؤتيه من