١٤ - (ومنها): أنه لا يُكتَفَى في التعديل بظاهر الحال، ولو بلغ المشهود بتعديله الغاية في العبادة والتقشف والورع حتّى يُخْتَبَر باطن حاله، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرّابعة): في حكم قتال الخوارج:
قال النوويّ رحمه الله في "شرح مسلم": قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي متى خَرَجُوا على الإمام، وخالفوا رأي الجماعة، وشَقُّوا العصا وجب قتالهم بعد إنذارهم، والاعتذار إليهم، قال الله تعالى:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات: ٩]، لكن لا يُجَهَّز على جريحهم، ولا يُتَّبَع مُنهزمهم، ولا يَقتُل أسيرهم، ولا تباح أموالهم، وما لم يخرجوا عن الطّاعة، وينتصبوا للحرب لا يقاتَلُون، بل يوعظون، ويستتابون من بدعتهم وباطلهم، وهذا كله ما لم يُكَفَّروا ببدعتهم، فإن كانت بدعةً ممّا يُكَفَّرون به جَرَت عليهم أحكام المرتدين.
وأما البغاة الذين لا يُكَفَّرون، فَيَرِثُون ويورثون، ودمهم في حال القتال هَدَرٌ، وكذا أموالهم الّتي تُتْلَفُ في القتال، والأصح أنهم لا يُضَمَّنُون أيضًا ما أتلفوه على أهل العدل في حال القتال من نفس ومال، وما أتلفوه في غير حال القتال من نفس ومال ضمِنُوه، ولا يحل الانتفاع بشيء من دوابهم وسلاحهم في حال الحرب عندنا، وعند الجمهور، وجوزه أبو حنيفة. والله أعلم. انتهى كلام النووي (١) وهو تفصيل حسنٌ.
وقال في "الفتح" نقلًا عن الغزالي في "الوسيط" تبعًا لغيره: في حكم الخوارج وجهان: أحدهما أنه كحكم أهل الردة، والثّاني: أنه كحكم أهل البغي، ورجح الرافعي