وقال في "الفتح": المعنى أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها، وقيل: لا يعملون بالقرآن، فلا يثابون على قراءته، فلا يحصل لهم إِلَّا سَرْدُ.
وقال النووي: المراد أنهم ليس لهم فيه حظ إِلَّا مروره على لسانهم، لا يصل إلى حلوقهم فضلًا عن أن يصل إلى قلوبهم؛ لأن المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب. انتهى.
قال الحافظ: هو مثل قوله فيهم أيضًا: "لا يجاوز إيمانهم حناجرهم"، أي ينطقون بالشهادتين، ولا يعرفونها بقلوبهم، ووقع في رواية لمسلم:"يقرءون القرآن رطبا"، قيل المراد الحِذْق في التلاوة، أي يأتون به على أحسن أحواله، وقيل: المراد أنهم يُواظبون على تلاوته، فلا تزال ألسنتهم رطبة به، وقيل: هو كناية عن حسن الصوت به، حكاها القرطبي، ويرجح الأوّل ما وقع في رواية أبي الوَدّاك عن أبي سعيد عند مسدد:"يقرءون القرآن كأحسن ما يقرؤه النَّاس"، ويؤيد الآخر قوله في رواية مسلم عن أبي بكرة عن أبيه:"قوم أشدّاء أحدّاء، ذَلِقَةٌ ألسنتهم بالقرآن"، أخرجه الطّبريّ، وزاد في رواية عبد الرّحمن بن أبي نُعْم عن أبي سعيد:"يقتلون أهل الإسلام، ويَدَعُون أهل الأوثان، يمرقون"، وأرجحها الثالث. انتهى.
وفي رواية البخاريّ في حديث عليّ -رضي الله عنه-: "لا يجاوز إيمانهم حناجرهم"، قال في "الفتح": في رواية الكشميهني: "لا يجوز"، و"الحناجر" بالحاء المهملة، ثمّ الجيم، جمع حنجرة بوزن قَسْوَرَة، وهي الحلقوم والبلعوم، وكله يُطلَق على مَجْرَى النَّفَس، وهو طَرَف الْمَرِيء ممّا يلي الفم، ووقع في رواية مسلم من رواية زيد بن وهب عن علي -رضي الله عنه-: "لا تجاوز صلاتهم تراقيهم"، فكأنه أَطلق الإيمان على الصّلاة، وله في حديث أبي ذر -رضي الله عنه-: "لا يجاوز إيمانهم حلاقيمهم"، والمراد أنهم يؤمنون بالنطق لا بالقلب، وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن علي -رضي الله عنه- عند مسلم:"يقولون الحق بألسنتهم، لا يجاوز هذا منهم"، وأشار إلى حلقه، وهذه المجاوزة غير المجاوزة في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-. انتهى.
(يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ) أي يَجُوزُونه، ويخرقونه، ويتعدَّونه، ويخرُجون منه،