صنعتَ، قال: وكيف رأيتَ؟ قال: لم أرك عدلت" (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("وَيْلَكَ) وفي حديث أبي سعيد: "ويحك"(وَمَنْ يَعْدِلُ)"من" استفهامية، والاستفهام للإنكار، أي لا أحد يعدل (بَعْدِي إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ ") يعني أنهم أمروا باتباعه -صلى الله عليه وسلم-، فإذا لم يعدل المتبع فمن الّذي يعدل بعده؟، ولفظ البخاريّ من طريق عمرو بن دينار، عن جابر -رضي الله عنه- قال: "بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَقسم غنيمةً بالجعرانة، إذ قال له رجل: اعدل، قال: لقد شقيت إن لم أعدل".
وقوله: "لقد شقيت" بضم المثناة للأكثر، ومعناه ظاهر، ولا محذور فيه، والشرط لا يستلزم الوقوع؛ لأنه ليس ممّن لا يعدل حتّى يحصل له الشقاء، بل هو عادل فلا يَشقَى، وحكى عياض فتحها، ورجحه النووي، وحكاه الإسماعيليّ عن رواية شيخه المنيعيّ من طريق عثمان بن عمر، عن قُرّة، والمعنى: لقد شقيتَ، أي ضللتَ أنت أيها التابع حيث تقتدي بمن لا يعدل، أو حيث تعتقد في نبيّك هذا القول الّذي لا يصدُر عن مؤمن. قاله في "الفتح" (١).
ولفظ مسلم: "قال: ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خِبْتُ وخَسِرتُ إن لم أكن أعدل"، وفي حديث أبي سعيد: "ومن يُطع الله إذا لم أُطعه"، وفي لفظ: "أو لست أحقّ أهل الأرض أن أطيع الله"، وفي حديث عبد الله بن عمرو: "عند مَنْ يُلْتَمسُ العدل بعدي؟ "، وفي رواية عنه: "فغضب -صلى الله عليه وسلم- وقال: العدل إذا لم يكن عندي فعند من يكون"، وفي حديث أبي بكرة: "فغضب حتّى احمرّت وجنتاه"، وفي حديث أبي برزة: "فغضب غضبًا شديدًا، وقال: والله لا تجدون بعدي رجلًا هو أعدل عليكم منّي".
(فَقَالَ عُمَرُ) بن الخطّاب -رضي الله عنه-، وهذا صريح في أن الّذي طلب قتله عمر -رضي الله عنه-، وكذا هو في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- عند البخاريّ، لكن وقع عند مسلم في حديث أبي سعيد أن الّذي طلب هو خالد بن الوليد، ويُمكن الجمع بأن كلا منهما طلب ذلك، ويؤيّد هذا الجمع ما في رواية لمسلم أيضًا من طريق جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن
(١) "الفتح" ٦/ ٢٩١ "كتاب فرض الخمس" الحديث (٣١٣٨).