(الثّالث): قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}[الشورى: ٥١]، فالآية دلّت على أن من يتكلّم الله معه فإنّه لا يراه، فإذا ثبت عدم الرؤية في وقت الكلام ثبت في غير وقت الكلام ضرورة أنه لا قائل بالفصل.
(الرّابع): أن الله تعالى ما ذكر في طلب الرؤية في القرآن إِلَّا وقد استعظمه، وذمّ عليه، وذلك في آيات، منها: قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}[البقرة: ٥٥].
(الخامس): لو صحّت رؤية الله تعالى لرأيناه الآن، والتالي باطلٌ والمقدّم مثله.
واحتجّ أهل السنّة بما سبق من الأحاديث الصحيحة، وبقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢، ٢٣]، وقوله تعالى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}[المطففين: ١٥]، فهذا يدلُّ على أن المؤمنين لا يكونون محجوبين.
والجواب عن قوله تعالى:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} أن المراد من الإدراك الإحاطة، ونحن أيضًا نقول به.
وعن قوله تعالى:{لَن تَرَانِى} أنا لا نُسلّم أن "لن" تدلّ على التّأبيد بدليل قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا}[البقرة: ٩٥] مع أنهم يتمنّونه في الآخرة.
وعن قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ} الآية [الشورى: ٥١] أن الوحي كلام يُسمع بالسرعة، وليس فيه دلالة على كون المتكلّم محجوبًا عن نظر السامع أو غير محجوب عن نظره.
وعن قوله تعالى:{وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى} الآية أن الاستعظام لم لا يجوز أن يكون لأجل طلبهم الرؤية على سبيل التعنّت والعناد بدليل الاستعظام في نزول الملائكة في قوله تعالى: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ}[الفرقان: ٢١]، ولا نزاع في جواز ذلك.