للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَبِّها دُهنٌ له منافع، وقيل: إن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الأترج، فناسب أن يُمَثّل به القرآن الذي لا تَقْرَبه الشياطين، وغلاف حبه أَبيض، فيناسب قلب المؤمن، وفيها أيضًا من المزايا كُبْر جرمها، وحسن منظرها، وتفريح لونها، ولِين مَلْمَسها، وفي أكلها مع الالتذاذ طيب نَكْهة، ودِبَاغ مَعِدَة، وجَوْدة هضْم، ولها منافع أخرى مذكورة في المفردات. قاله في "الفتح" (١).

وقال المظهر: المؤمن الذي يقرأ القرآن هكذا من حيث الإيمان في قلبه ثابتٌ، طيّب الباطن، ومن حيث إنه يقرأ القرآن، ويستريح الناس بصوته، ويُثابون بالاستماع إليه، ويتعلّمون منه مثلُ الأترجّة، يستريح الناس برائحتها.

وقال التوربشتيّ: المثل عبارة عن المشابهة بغيره في معنى من المعاني؛ لإدناء المتوهّم عن المشاهد، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخاطب بذلك العرب، ويُحاورهم، ولم يكن ليأتي في الأمثال بما لم تشاهده، فيجعلَ ما أورده للتبيان مزيدًا للإبهام، بل يأتيهم بما شاهدوه، وعرفوه؛ ليبلغ ما انتحاه من كشف الغطاء، ورفع الحجاب، ولم يوجد فيما أخرجته الأرض من بركات السماء، لا سيما من الثمار الشجريّة التي آنستها العرب في بلادهم أبلغ في هذا المعنى من الأترجّة، بل هي أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان الأخرى، وأجدى؛ لأسباب كثيرة جامعه للصفات المطلوبة منها، والخواصّ الموجودة فيها، فمن ذلك كبر جِرْمها، وحسن منطرها، وطيب مطعمها، ولين ملمسها، وذكَاء أرجها، تملأ الأكفّ بكبر جرمها، ويكسيها لينًا، وتُفعم الخياشيم طيبًا، وتأخذ بالأبصار صيغةً ولونًا، فاقعٌ لونها تسرّ الناظرين، تتوق إليها النفس قبل التناول، تفيد آكلها بعد الالتذاذ بذواقها طيب نكهة، ودباغ معدة، وقوّة هضم، اشتركت الحواسّ الأربع دون الاحتظاء بها: البصر، والذوق، والشمّ، واللمس، وهذه الغاية القصوى في انتهاء الثمرات إليها، وتُدْخَل في الأدوية الصالحة للأدواء المزمنة، والأوجاع المقلقة،


(١) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>