قالوا: النخل يؤبرونها، فقال:"لو لم يفعلوا لصلح"، فلم يؤبروا عامئذ، فصار شِيصًا، فذكروا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال:"إن كان شيئًا من أمر دنياكم فشأنكم به، وإن كان من أمور دينكم فإليّ"، فدلّ على أن مهمة رسالته -صلى الله عليه وسلم- هي بيان علم الشريعة (يُعْمَلُ بِهِ) بالبناء للمفعول، أي يعمل به الناس (مِنْ بَعْدِهِ) أي بعد موته، كأن يترك مصنفًا أو يُعلّم الناس، ثم يقوم هؤلاء بنشر علمه، وقال التاج السبكي رحمه الله: حمل العلم المذكور على التأليف أقوى؛ لأنه أطول مدّةً، وأبقى على ممرّ الزمان، ورأيت من تكلّم على هذا الحديث في كُرّاسة، قال الأخنائيّ في "كتاب البُشرى بما يَلحَق الميت من الثواب في الأخرى": قوله: "وعلم يُنتفَع بّه"، هو ما خلّفه من تعليم، أو تصنيف، ورواية، وربّما دخل في ذلك نَسْخُ الكتب، وتسطيرها، وضبطها، ومقابلتها، وتحريرها، والإتقان لها بالسماع، وكتابة الطبقات، وشراء الكتب المشتملة على ذلك، ولكن شرطه أن يكون يكون منتفعًا به، انتهى (١)، وهو تحقيق نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- هذا صحيح.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا (٤٢/ ٢٤١) بهذا الإسناد فقط، ولم يُخرجه من أصحاب الأصول غيره، وأخرجه (ابن خزيمة) في "صحيحه"(٢٤٩٥) و (ابن حبّان) في "صحيحه"(٩٣)، وذكر في "تحفة الأشراف"(٩/ ٢٤٨) أن النسائيّ أخرجه في "عمل اليوم والليلة"، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(١) راجع "زهر الربى في شرح المجتبي" للسيوطيّ ٦/ ٢٥١ - ٢٥٢.