للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مبنيّ على غايته، وأن الغرض منه تلك الغاية، وذلك أن تحصيل العلم إنما هو للانتفاع به، فإذا لم ينتفع به لم يخلص منه كفافًا، بل يكون وبالًا، ولذلك استعاذ منه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأن القلب إنما خُلق لأن يتخشّع لباريه سبحانه وتعالى، وينشرح لذلك الصدر، ويُقذف النور فيه، فإذا لم يكن كذلك كان قاسيًا، فيجب أن يُستعاذ منه، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: ٢٢]، وأن النفس يُعتدّ بها إذا تجافت عن دار الغرور، وأنابت إلى دار الخلود، وهي إذا كانت منهومة، لا تشبع، حريصةً على الدنيا كانت أعدى عدوّ المرء، فأولى الشيء الذي يستعاذ منه هي هذه النفس، وعدم استجابة الدعاء دليلٌ على أن الداعي لم ينتفع بعلمه وعمله، ولم يخشع قلبه، ولم تشبع نفسه، فيكون أولى ما يُستعاذ منه. انتهى (١).

٣ - (ومنها): أن استعاذته -صلى الله عليه وسلم- من هذه الأمور إظهار للعبودية، وإعظام للربّ سبحانه وتعالى، وحثّ لأمته على ذلك، وتعليم لهم، وإلا فهو -صلى الله عليه وسلم- معصوم من هذه الأمور.

٤ - (ومنها): أن ما ورد في المنع عن السجع في الدعاء هو ما يكون عن قصد إليه، وتكلّف في تحصيله، بحيث يمنع من حضور القلب، وخشوعه، أما إذا اتّفق، وحصل بسبب قوّة السليقة، وفصاحة اللسان، فليس بممنوع، كما اتّفق له -صلى الله عليه وسلم- في هذا الدعاء ونحوه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن مَاجَه رحمه الله في أول الكتاب قال:

٢٥١ - (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ. كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُول: "اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا، وَالحمْدُ للهِ عَلَى كُل حَالٍ").

رجال هذا الإسناد: خمسة:

١ - (عَبْدُ الله بْنُ نُمَيْرٍ) أبو هشام الكوفيّ، ثقة سنّيّ، من كبار [٩] ٨/ ٥٢.


(١) راجع "تحفة الأحوذي" ٩/ ٣٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>