[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفي سنده فُليح بن سليمان متكلّم فيه؟.
[قلت]: فُليح وإن تكلّم فيه الأكثرون، إلا أن البخاريّ ومسلمًا اعتمدا عليه، وأخرجا له، ولحديثه هذا شواهد، من حديث ابن عمر، وجابر، وأنس، وكعب بن مالك، وحُذيفة، وسيأتي معظمها في هذا الباب -إن شاء الله تعالى-، وهي وإن كان في معظم طرقها كلام، إلا أن مجموعها يتقوى بعضه ببعض، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا (٤٥/ ٢٥٢) بهذا السند، وأخرجه (أحمد) في "مسنده"(٢/ ٣٣٨) و (أبو داود)(٣٦٦٤) و (ابن حبّان) في "صحيحه"(٧٨) و (الحاكم) في "المستدرك"(١/ ٨٥) وصححه على شرطهما، ووافقه الذهبي، و (الخطيب) في "التاريخ"(٥/ ٣٤٦ - ٣٤٧ و ٨/ ٧٨) و (ابن عبد البرّ) في "جامع بيان العلم"(٢٣٠)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): ما ترجم له المصنّف، وهو الانتفاع بالعلم والعمل به، ووجه ذلك أن من تعلم للدنيا لم ينتفع بعلمه، ولم يحصل له الغرض المطلوب منه.
٢ - (ومنها): أن فيه دلالةً على الوعيد المذكور لمن لم يقصد بعلمه إلا الدنيا؛ لأنه عبّر بأداة الحصر، فقال:"إلا ليصيب عرضًا إلخ"، فأما من طلب بعلمه رضا الله تعالى، ومع ذلك له ميلٌ ما إلى الدنيا، فخارج عن هذا الوعيد، قال الطيبيّ رحمه الله: فيه أن من تعلّم لرضا الله تعالى مع إصابة العرض الدنيويّ لا يدخل تحت الوعيد؛ لأن ابتغاء وجه الله تعالى يأبى إلا أن يكون متبوعًا غالبًا، ويكون العرض تابعًا، قال الله تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}[النساء: ١٣٤]، ففيه تقريع وتوبيخ للمريد؛ لأن من تعلّم العلم، أو جاهد لينال عرضًا من أعراض الدنيا يجب أن يوبّخ، ويقال في حقّه: ما هذه الدناءة؟ أرضيت بالخسيس الفاني، وتركت الرفيع الباقي؟ ما لك لا تريد به وجه الله، وطلب مرضاته؛ ليمنحك ما تريده، ويتبعه