وتأكلوا ثمرنا، وتضربوا نساءنا، فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال:"يا ابن عوف اركب فرسك، ثم نَادِ أن اجتمعوا للصلاة"، فاجتمعوا، فصلى النبي عليه الصلاة والسلام، ثم قام فقال:"أيحسب أحدكم متكئا على أريكته، لا يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن، ألا إني والله قد أمرت، ووعظت، ونهيت عن أشياء، إنها لمثل القرآن، أو أكثر، وإن الله عز وجل لم يُحِلَّ لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب نسائهم، ولا أكل ثمارهم، إذا أعطوكم الذي عليهم".
ثم قال البيهقي:"باب بيان بطلان ما يَحتجّ به بعضُ من رد الأخبار، من الأخبار التي رواها بعض الضعفاء في عرض السنة على القرآن".
قال الشافعي: احتج عَلَيَّ بعضُ من ردّ الأخبار بما رُوي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "ما جاءكم عني فأعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فأنا قلته، وما خالفه فلم أقله"(١). فقلت له: ما رَوَى هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير، وإنما هي رواية منقطعة، عن رجل مجهول، ونحن لا نقبل مثل هذه الرواية في شيء. قال البيهقي أشار الإمام الشافعي إلى ما رواه خالد بن أبي كريمة، عن أبي جعفر، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنه دعا اليهود فسألهم، فحدثوه حتى كذبوا على عيسى عليه السلام، فصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المنبر، فخطب الناس، فقال: إن الحديث سيفشو عني، فما أتاكم يوافق القرآن فهو عني، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني. قال البيهقي: خالد مجهول، وأبو جعفر ليس بصحابي، فالحديث منقطع. وقال الشافعي: وليس يخالف الحديث القرآن، ولكن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبين معنى ما أراد خاصا وعاما، وناسخا ومنسوخًا، ثم يلزم الناس ما سن بفرض الله، فمن قَبِلَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعن الله قبل. قال البيهقي: وقد رُوي الحديث من أوجه أخر كلها ضعيفة. ثم أخرج من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن الأصبغ بن محمد بن أبي منصور، أنه بلغه أن رسول الله قال:
(١) سبق أنه حديث لا يثبت، بل قيل: إنه من وضع الزنادقة.