فقال: شفاك الله، فقال أبو هريرة: اللهم إني أحب لقاءك، فأحبب لقائي، فما بلغ مروان -يعني وسط السوق- حتى مات. وقال ابن سعد عن الواقدي: حدثني ثابت بن قيس، عن ثابت ابن مِسحل قال: صلى الوليد بن عقبة بن أبي سفيان، على أبي هريرة بعد أن صلى بالناس العصر، وفي القوم ابن عمر، وأبو سعيد الخدري، قال: وكتب الوليد إلى معاوية يخبره بموته، فكتب إليه انظر من ترك، فادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم، وأحسن جوارهم، فإنه كان ممن نصر عثمان يوم الدار. قال أبو سليمان ابن زَبْر في "تاريخه": عاش أبو هريرة ثمانيا وسبعين سنة. قال الحافظ: وكأنه مأخوذ من الأثر المتقدم عنه، أنه كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن ثلاثين سنة، وأزيد من ذلك، وكانت وفاته بقصره بالعقيق، فحمل إلى المدينة، قال هشام بن عروة، وخليفة، وجماعة: توفي أبو هريرة سنة سبع وخمسين، وقال الهيثم بن عدي، وأبو معشر، وضمرة بن ربيعة: مات سنة ثمان وخمسين، وقال الواقدي، وأبو عبيد، وغيرهما: مات سنة تسع وخمسين، وزاد الواقدي: وصلى على عائشة في رمضان سنة ثمان، وعلى أم سلمة في شوال سنة تسع، ثم توفي بعد ذلك. قال الحافظ: وهذا الذي قاله في أم سلمة وَهَلٌ منه، وإن تابعه عليه جماعة، فقد ثبت في "الصحيح" ما يدل على أن أم سلمة عاشت إلى خلافة يزيد بن معاوية، والمعتمد في وفاة أبي هريرة قول هشام بن عروة (١). أخرج له الجماعة.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: إنما أطلت في ترجمة أبي هريرة -رضي الله عنه- لما في سيرته العطرة مما يتناسب مع ما يحتاج إليه طالب العلم، فإنه قد تبيّن مما ذُكر أنه -رضي الله عنه- كان حريصًا على طلب العلم، ومقبلا عليه، متفرّغًا له، لا يشغله بيع ولا زراعة، ولا أهل، ولا مال، فبذل كل ما في وسعه لطلبه، ولم يقتصر على بذل الجهد فقط، بل شكى إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ما يواجهه من مشكلة النسيان، فعالج -صلى الله عليه وسلم- ذلك بدعوته المباركة، فأزال الله عز وجل