حق حقه، وإن أَمَّرَت عليكم قريشٌ عبدًا حبشيّا فاسمعوا له وأطيعوا"، وإسناده جيد، ولكنه رُوي عن علي موقوفا، وقال الدارقطني: هو أشبه.
وقد قيل: إن العبد الحبشي إنما ذَكَرَه على وجه ضرب المثل، وإن لم يصح وقوعه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيمن بنى مسجدًا، ولو كمَفْحَص قَطاة (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن يؤوّل بأن المراد به من تولّى من جهة الإمام، أو أن هذا مثلٌ ضربه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وإن لم يصحّ وقوعه. أو هو محمول على المتغلّب المتسلّط. والله تعالى أعلم.
(وَسَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِي) أي بعد موتي (اخْتِلَافًا شَدِيدًا) وفي رواية أبي داود: "فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا" قال الطيبيّ: والفاء في "فإنه" للتسبيب، جَعَلت ما بعدها سببًا لما قبلها، يعني من قبِل وصيّتي، والتزم تقوى الله، وقَبِل طاعة من وليّ عليه، ولم يُهيج الفتن أمن بعدي ما يرى من الاختلاف الكثير، وتشعُّب الآراء، ووقوع الفتن، ثم أكّد الوصيّة بقوله: "فعليكم بسنتي" على سبيل الالتفات، وعطف عليه قوله: "وإياكم ومحدثات الأمور" تقريرًا بعد تقرير، أو توكيدًا بعد توكيد، وكذا قوله: "تمسّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ" تشديد على تشديد. انتهى.
(فَعَلَيْكُم) اسم فعل بمعنى الزموا (بسُنَّتِي) أي بطريقتي الثابتة عنّي واجبًا، أو مندوبًا: أي فالزموها، واعملوا بها (وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ) أي والزموا سنتهم؛ لأنهم فيما سنّوه إما متّبعون لسنتي نفسها، وإما متّبعون لما فهموا منها في الجملة وظهر لهم تفصيلها على وجه يَخفى على غيرهم.
قال المنذريّ رحمه الله تعالى في "مختصر السنن" والخلفاء: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ -رضي الله عنه-، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقتَدُوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر"، فخص اثنين، وقال: "فإن لم تَجِديني فأْتِي أبا بكر"، فخصه، فإذا قال أحدهم، وخالفه
(١) أخرجه ابن حبّان في "صحيحه" ٤/ ٤٩٠ رقم ٤٩١ وإسناده صحيح.