طريقته، فإنهم أشد الناس حرصًا عليها، وعملًا بها في كل شيء، وعلى كل حال، كانوا يَتَوَقَّون مخالفته في أصغر الأمور فضلًا عن أكبرها، وكانوا إذا أعوزهم الدليل من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- عملوا بما يَظهَر لهم من الرأي بعد الفحص والبحث والتشاور والتدبر، وهذا الرأي عند عدم الدليل هو أيضا من سنته؛ لِمَا دل عليه حديث معاذ -رضي الله عنه- لمّا قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بم تقضي؟ " قال: بكتاب الله، قال:"فإن لم تجد"، قال: فبسنة رسول الله، قال:"فإن لم تجد"، قال: أجتهد رأيي، قال:"الحمد لله الذي وَفَّق رسولَ رسوله"، أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-، وهذا الحديث -وإن تكلم فيه بعض أهل العلم بما هو معروف- فالحق أنه من قسم الحسن لغيره، وهو معمول به، وقد أوضحت هذا في بحث مستقل.
[فإن قلت]: إذا كان ما عَمِلوا فيه بالرأي هو من سنته لم يبق لقوله: "وسنة الخلفاء الراشدين" ثمرة.
[قلت]: ثمرته أن من الناس من لم يُدرك زمنه -صلى الله عليه وسلم-، وأدرك زمن الخلفاء الراشدين، أو أدرك زمنه وزمن الخلفاء، ولكنه حَدَث أمرٌ لم يَحدُث في زمنه، ففعله الخلفاء، فأشار بهذا الإرشاد إلى سنة الخلفاء إلى دفع ما عساه يتردد في بعض النفوس من الشك، ويَختلِج فيها من الظنون، فأقل فوائد الحديث أن ما يَصدُر عنهم من الرأي، وإن كان من سنته كما تقدم، ولكنه أولى من رأي غيرهم عند عدم الدليل.
وبالجملة فكثيرًا ما كان -صلى الله عليه وسلم- ينسب الفعل أو الترك إليه، أو إلى أصحابه في حياته، مع أنه لا فائدة لنسبته إلى غيره مع نسبته إليه؛ لأنه محل القدوة، ومكان الأسوة، فهذا ما ظهر لي في تفسير هذا الحديث، ولم أقف عند تحريره على ما يوافقه من كلام أهل العلم، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم.