وقال أبو العبّاس القرطبي رحمه الله تعالى: قوله "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه": أي أقرب له من نفسه، أو أحقّ به منها، ثم فسّر وجهه بقوله:"من ترك مالًا فلأهله، ومن ترك دينًا، أو ضَيَاعًا فإليّ، وعليّ".
وبيانه أنه إذا ترك دينًا، أو ضَيَاعًا، ولم يَقدِر على أن يُخَلِّصَ نفسه منه؛ إذ لم يترك شيئًا يَسُدُّ به ذلك، ثم يُخلّصه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقيامه به عنه، أو سدّ ضَيْعته كان أولى به من نفسه؛ إذ قد فعل معه ما لم يَفعَل هو بنفسه. والله تعالى أعلم.
وأما رواية من رواه:"أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم" في "غير صحيح مسلم"، فيحتمل أن يُحمل على ذلك، ويَحتمِل أن يكون معناه: أنا أولى بالمؤمنين من بعضهم لبعض، كما قال تعالى:{أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}[النساء: ٦٦] أي ليقتل بعضكم بعضًا في أشهر أقوال المفسّرين.
قال: وهذا الكلام إنما قاله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حين رَفَعَ ما كان قرّر من امتناعه من الصلاة على من مات وعليه دينٌ لم يترك له وفاءً، كما قاله أبو هريرة -رضي الله عنه-: كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يُؤتى بالميت عليه الدين، فيَسْأل:"هل ترك لدينه وفاءً؟ " فإن قيل: إنه ترك وفاءً صلّى عليه، وإن قالوا: لا، قال:"صلُّوا على صاحبكم"، قال: فلما فتح الله عليه الفتوحَ قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من تُوفّي فترك دينًا، فعليّ، ومن ترك مالًا فلورثته". متّفقٌ عليه.
قال القاضي: وهذا مما يلزم الأئمة من الفرض في مال الله تعالى للذرّيّة، وأهل الحاجة، والقيام بهم، وقضاء ديون محتاجيهم. انتهى (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما هذا أخرجه مسلم.