كلّ ذلك مفصّلٌ مبيّنٌ في جملة الشريعة، فما أُمرنا بالعمل به عملناه، وما نُهينا عنه انتهينا، وإن لم نُحط بحصر أعداد ذلك. والله تعالى أعلم. انتهى قول القرطبيّ رحمه الله (١).
وسيأتي البحث في أقوال أهل العلم في عدد الشعب مستوفًى في المسألة الخامسة -إن شاء الله تعالى-.
(أَدْنَاهَا) أي أقلّ هذه الشعب الستين، أو السبعين رتبة، وفي رواية النسائيّ:"وأوضعها" وهي بمعنى الأولى (إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) أي إزالة الأذى، و"الإماطة" -بكسر الهمزة-: مصدر أماط الشيء: إذا أزاله، قال في "القاموس": ماطَ يَميط مَيْطا -أي من باب باع-: جارَ، وزَجَرَ، وعنّي ميطًا وميَطانًا: تنحّى، وبَعُدَ، ونَحّى، وأبعد، كأماط فيهما. انتهى. فأد أن ماط يتعدّى ويلزم كأماط.
و"الأذى": بالفتح: مصدر أَذِيَ به، كبقِي بالكسر، وتأذّى، والاسم الأَذِيّةُ، والأَذَاةُ، وهي المكروه اليسير. قاله في "القاموس".
والمعنى هنا: تنحية ما يؤذي المسلمين، كالشوك، والحجر، والشجر، والنجاسة، ونحوها عن طريقهم؛ رفقًا بهم، وعطفًا عليهم.
(وَأَرْفَعُهَا) أي أرفع الشعب المذكورة قدرًا، ودرجةً (قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّه) فيه أن كلمة التوحيد أفضل أنواع الإيمان، كما أن الإيمان أفضل أنواع العمل، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل "أي العمل أفضل؟ "، فقال:"إيمان بالله ورسوله ... " الحديث، متّفق عليه.
(وَالحيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ") "الحياء" -بالمد- هو في اللغة: تغير، وانكسار، يَعتَرِي الإنسانَ من خوف ما يعاب به، وقد يطلق على مجرد ترك الشيء بسبب، والترك إنما هو من لوازمه، وفي الشرع: خُلُق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، ولهذا جاء في الحديث الآخر: "الحياء خير كله". انتهى "فتح" ١/ ٧٦.