الأقوال والأفعال، من سفهاء الشعراء، ونحوهم من الزنادقة.
قال: فتدبّر كيف كانت الملل الصحيحة الذين آمنوا، والذين هادوا، والنصارى، والصابئون ليس فيها في الأصل قدريّة، وإنما حدثت القدريّة من الملّتين الباطلتين: المجوس، والذين أشركوا. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله (١)، وهو كلام نفيس، وبحثٌ أنيس. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): قد أجاد شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله تعالى في الردّ على أحد علماء الذميين، حيث أورد أبياتًا فيها استشكالات في القدر، فقال [من الطويل]:
أيَا عُلَمَاءَ الدِّينِ ذِمِّيُّ دينكم ... تَحَيَّرَ دُلُّوهُ بِأَوْضَح حُجَّةِ
إِذَا مَا قَضَى رَبِّي بِكُفْرِي بِزَعْمِكُمْ ... وَلَمْ يَرْضَهُ مِنِّي فَمَا وَجْهُ حِيلَتِي
دَعَانِي وَسَدَّ الْبَابَ عَنِّي فَهَلْ إِلَى ... دُخُولِي سبِيلٌ بَيِّنُوا لِي قَضِيَّتِي
قَضَى بِضَلَالِي ثُمَّ قَالَ ارْضَ بِالْقَضَا ... فَمَا أَنَا رَاضٍ بِالَّذِي فِيهِ شِقْوَتِي
فَإِنْ كنْتُ بِالمقْضِيِّ يَا قَوْمُ رَاضِيًا ... فَرَبِّيَ لَا يَرْضَى بِشُؤْمِ بَلِيَّتِي
فَهَلْ لِي رِضًا مَا لَيْسَ يَرْضَاهُ سَيِّدِي ... فَقَدْ حِرْتُ دُلُّونِي عَلَى كشْفِ حَيْرَتِي
إِذَا شَاءَ رَبِّي الْكُفْرَ مِنِّي مَشِيئَةً ... فَهَلْ أَنَا عَاصٍ في اتِّبَاع الْمَشِيئَةِ؟
وَهَلْ لِي اخْتِيَارٌ أَنْ أُخَالِفَ حُكْمَهُ؟ ... فِبِاللَّه فَاشْفُوا بِالْبَرَاهِينِ غُلَّتِي
فأجاب شيخ الإسلام رحمه الله تعالى مرتجلًا، فقال:
سُؤَالُكَ يَا هَذَا سُؤَالُ مُعَانِدٍ ... مُخَاصِمِ رَبِّ الْعَرْشِ بَارِي الْبَرِيَّةِ
فَهَذَا سُؤَالٌ خَاصَمَ الْمَلأَ الأَعْلَى ... قَدِيمًا بِهِ إِبْلِيسُ أَصْلُ الْبَلِيَّةِ
وَمَنْ يَكُ خَصْمًا للمهيمن يَرْجِعَنْ ... عَلَى أُمِّ رَأْسٍ هَاوِيًا في الْحفِيرَةِ
وَيُدْعَى خُصُومُ اللَّه يَوْمَ مَعَادِهِمْ ... إِلَى النَّارِ طُرًّا مَعْشَرُ الْقَدَرِيَّة
(١) راجع "مجموع الفتاوى" ٨/ ٢٥٦ - ٢٦١.